كتب : دينا كمال
أبحاث الجيل السادس تحول الأقمار الصناعية إلى منصات حوسبة ذكية
مع تسارع السباق العالمي لتطوير شبكات الجيل السادس (6G)، تشير التقديرات إلى أن ساحة المنافسة الحقيقية قد تنتقل من الأرض إلى الفضاء.
وفي الوقت الذي يُتوقع فيه بدء تسويق تقنيات الجيل السادس بحلول عام 2030، شرع الباحثون بالفعل في إعادة تصور آليات عمل الذكاء الاصطناعي على نطاق عالمي.
وحدد الاتحاد الدولي للاتصالات مجموعة من حالات الاستخدام المستقبلية لشبكات 6G، من أبرزها الدمج العميق بين الذكاء الاصطناعي والاتصالات، إضافة إلى تحقيق اتصال شامل في كل مكان، بما يعكس تحول الشبكات من مجرد ناقل للبيانات إلى منصات ذكية قادرة على المعالجة واتخاذ القرار.
غير أن التحدي الأبرز يظل متمثلًا في توفير خدمات ذكاء اصطناعي سلسة للمناطق النائية والمحرومة من البنية التحتية، لا سيما مع تزايد متطلبات المعالجة وحساسية التطبيقات لعامل الزمن.
الأقمار الصناعية تدخل مجال الذكاء الاصطناعي
وفي هذا الإطار، طرحت دراسة حديثة أعدها باحثون من جامعة هونغ كونغ وجامعة شيآن للاتصالات تصورًا يتجاوز قيود الشبكات الأرضية، عبر دمج الذكاء الاصطناعي الطرفي مع شبكات فضاء–أرض متكاملة، بهدف تحويل الأقمار الصناعية إلى مراكز اتصال وحوسبة في آن واحد.
ويعتمد هذا التوجه، الذي أُطلق عليه مفهوم «الذكاء الاصطناعي السائل بين الفضاء والأرض»، على استغلال حركة الأقمار الصناعية نفسها للتغلب على تحديات طالما حدّت من توظيف الذكاء الاصطناعي في المدار، مثل القيود الزمنية وسعة الاتصال بين الفضاء والأرض.
ذكاء اصطناعي يتدفق بلا عوائق
واستوحى الباحثون فكرتهم من تدفق المياه عبر الحدود دون عوائق، حيث يتيح الإطار الجديد انتقال نماذج الذكاء الاصطناعي والبيانات بشكل مستمر بين الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية.
ويرتكز هذا المفهوم على ثلاث ركائز تقنية رئيسية:
التعلم السائل:
يهدف إلى تقليص زمن تدريب النماذج من خلال أسلوب تعلم اتحادي لا يعتمد على بنية تحتية معقدة، مع استغلال حركة الأقمار الصناعية لنشر معاملات النماذج ودمجها عبر مناطق مختلفة، بما يسرّع الوصول إلى نتائج أكثر دقة.
الاستدلال السائل:
يركز على تحسين قرارات الذكاء الاصطناعي في الزمن الحقيقي، عبر توزيع الشبكات العصبية إلى نماذج فرعية بين الفضاء والأرض، بما يتيح التكيف مع الموارد المتاحة وجودة الاتصال، وتحقيق توازن بين السرعة والدقة.
تحميل النماذج السائل:
يعالج كفاءة إيصال نماذج الذكاء الاصطناعي إلى المستخدمين من خلال تخزين أجزاء محددة فقط من النماذج على الأقمار الصناعية، مع إمكانية نقلها بين الأقمار، ما يقلل زمن التحميل ويحسن استغلال الطيف الترددي.
تحديات الفضاء وآفاق التطوير
ورغم الإمكانات الواعدة، يواجه نشر الذكاء الاصطناعي في الفضاء تحديات تقنية معقدة، في مقدمتها الإشعاعات القاسية، ومحدودية الطاقة وعدم استقرارها.
ولهذا شدد الباحثون على ضرورة تطوير عتاد مقاوم للإشعاع، وأنظمة حوسبة قادرة على تحمل الأعطال، إلى جانب آليات ذكية لجدولة المهام تراعي كفاءة استهلاك الطاقة.
كما حددت الدراسة مسارات بحثية مستقبلية تشمل تطوير ذكاء اصطناعي سائل موفر للطاقة، ومنخفض الكمون، وآمن، بما يحقق توازنًا بين الأداء والموثوقية والأمن.
وبالاعتماد على مدارات الأقمار الصناعية المتوقعة وحركتها الدورية، قد يشكل هذا النموذج حجر الأساس لتقديم خدمات ذكاء اصطناعي عالمية عند الأطراف في عصر الجيل السادس.
وبذلك، لم تعد الأقمار الصناعية مجرد أدوات اتصال، بل تتحول إلى عقد ذكية قادرة على تشغيل الذكاء الاصطناعي من قلب المدار.


