ألفريدو حرب حلو… نَسغُ الأرز في عروق المكسيك
بقلم الكاتبة اللبنانية _ مايا ابراهيم
في مكسيكو سيتي، على بُعد آلاف الأميال من جبل لبنان، وُلد ألفريدو حرب حلو، لكنّ جذوره لم تتخلَّ يومًا عن تربتها الأولى. ابن بعبدا وكفرزينا، ابن تلك القرى التي تعرف
جيّدًا معنى الصبر على صخرة، والنهوض من ظلّ التهميش إلى ضوء الكرامة. هو ليس مجرّد رجل أعمال ناجح أو ملياردير عالمي، بل قصة حنين مزروعة في كلّ نجاح، وامتداد حضاري يعبّر عن الوجه المُشرق للبنان في الاغتراب.
أسّس ألفريدو صروحه الاقتصادية واحدة تلو الأخرى، انطلاقًا من شركة الوساطة المالية “أكسيفال” إلى إمبراطورية بانامكس، ثم قطاع الاتصالات مع “أفانتيل”، وصولًا إلى رياضة البيسبول حيث يملك فريقين محترفين، وملعبًا يحمل اسمه. رجل استطاع أن يكتب اسمه على أوراق البورصة وعلى قلوب الملايين، من دون أن يفقد تواضعه أو حنينه.
لكن أروع ما في ألفريدو، ليس ما بنَته يداه من ثروات، بل ما زرعه قلبه من محبّة. ففي خطوة تعبّر عن انتمائه العميق، موّل مشروعًا استثنائيًا لتشجير غابات أرز بشري، في مبادرة ليست بيئية فحسب، بل عاطفية ووطنية بامتياز. فقد حدث ذلك خلال زيارته إلى لبنان، حين وقف على تلك الأرض التي لم تغب عنه يومًا، وسأل بحبّ:
“كم شجرة نحتاج لنُعيد الخضرة من بشري إلى تنّورين؟”
فقالوا له: “نحو مليونَي شجرة.”
فابتسم وقال:
“هاتوا الأرض، وأنا أتكفّل بزرع الحلم فيها.”
ثم أضاف كمن يستعيد نفسه في تراب الوطن:
“ما حاجتكم إلى شجر؟ قالوا: مليونين. فقلت: أنا أقدّمها للوطن الذي زرعني في الذاكرة قبل أن يزرعني في الأرض.”
وتابع، بصوت من لا يعرف المسافة بين القلب والحنين:
“أنا أزرعها، شوقًا لوطنٍ لم يغب عن نبضي يومًا.”
كلمات بسيطة، لكنها كانت كفيلة بأن تُعيد الحياة إلى جبل، وتُثبت أنّ الغربة لا تقطع جذور من يحمل وطنه في قلبه.
الأرز، شجرة الخلود، عادت تنمو بتمويل من رجل غرسها في ذاكرته قبل أن يغرسها في الأرض.
مؤسسته الخيرية تموّل مشاريع في التعليم والصحة والثقافة، ليس فقط في المكسيك بل أيضًا في وطن الأرز. ولا يزال ألفريدو حتى اليوم، في كل لقاء، يُعيد رسم ملامح لبنان الجميل، المتّزن، المتحضّر، الحالم، ويؤكّد للعالم أنّ الانتماء لا تُحدّده المسافة، بل المحبّة.
في قلب المغترب شجرة لا تنام،
وفي أرض الأرز، رجل لم يُنسِه البُعد معنى الجذور.
من جبال المكسيك إلى جبال بشري،
حلّق ألفريدو كنسرٍ لا يضلّ سماءه،
وعلى كتفيه ظلّ غابة وحنين.
أعطى من ماله، لكن الأهم أنه أعطى من روحه.
فإذا كان الأرز شجرة الخلود… فألفريدو أحد حرّاسه.
وهكذا يُكتب اسم لبنان… لا بالحبر، بل بالنسغ.
الإعلامية مايا إبراهيم
عدد المشاهدات: 21