سوق السيارات علي صفيح ساخن بين الإرتفاع والهبوط
د.علي سرحان العرب نيوز اللندية
يتعرض قطاع السيارات على المستوى العالمي للعديد من الضغوط والتحديات التي تؤثر على نشاطاته المختلفة، فالرسوم الجمركية على واردات السيارات التي أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تضع صعوبات أمام شركات السيارات المختلفة، ولما كان هذا القطاع يُعد محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي العالمي، إذ ساهم إنتاج السيارات في عام 2023 بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإن تطوره أو تراجعه يؤثر على الاقتصاد بشكل كبير.
وعلي صعيد متصل
إن المتغيرات السوقية التي ستحدثها هذه الرسوم لا تتوقف عند ارتفاع أسعار السيارات الجديدة أميركياً، بل ستصل تأثيرها في حال استمرار تلك الرسوم إلى حدوث صعوبة في تسويق السيارات بالأسعار المرتفعة داخل السوق الأميركية، ومن ثم توجه المصانع العالمية للأسواق البديلة التي لا توجد بها ضرائب أو مشاكل لتصريف فائض الإنتاج.
وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على وضع سوق السيارات في نهاية عام 2024 والربع الأول من عام 2025، والتحديات التي تواجه الصناعة، بالإضافة إلى التداعيات المختلفة لهذا الوضع.
مؤشرات السوق
يُمكن توضيح مؤشرات سوق السيارات العالمي من خلال النقاط التالية:
(-) مبيعات المركبات: يتضح من الشكل (1) أن مبيعات المركبات بصفة عامة ارتفعت من 92.07 مليون وحدة في عام 2019 إلى 95.31 مليون وحدة في عام 2024، منها 74.6 مليون وحدة مبيعات سيارات. وكان نمو المبيعات الجديدة محدودًا داخل الاتحاد الأوروبي، حيث ارتفعت تسجيلات السيارات الجديدة بنسبة 0.8% فقط لتصل إلى نحو 10.6 مليون وحدة.
وتوقعت ستاتيستا للبيانات والإحصاءات، أن تصل إيرادات سوق سيارات الركاب في دولة الإمارات إلى 6.7 مليار دولار (ما يعادل 24.59 مليار درهم) في عام 2025.
ويمثل قطاع سيارات الدفع الرباعي أكبر شريحة في السوق، ومن المتوقع أن يصل حجم هذه السوق إلى 3.6 مليار دولار (ما يعادل 13.2 مليار درهم) في عام 2025.
وفي الربع الأول من عام 2025، انخفضت مبيعات مجموعة تراتون، إذ بلغت مبيعاتها 73.1 ألف مركبة مقارنة بـ 81.1 ألف مركبة في الربع الأول من عام 2024. باعت شركة سكانيا مركبات أقل بنسبة 16% مقارنة بنفس الربع في عام 2024، كما انخفضت مبيعات وحدات شاحنات وحافلات مان بنسبة 14%، ولكن على النقيض، ارتفعت مبيعات شركة فولكس فاجن للشاحنات والحافلات بنسبة 16%.
(-) إنتاج السيارات: في نهاية عام 2024، انخفض تصنيع السيارات عالميًا إلى 75.5 مليون وحدة، بانخفاض سنوي قدره 0.5%، إذ شهدت مناطق أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان أكبر انخفاض، حيث انخفض إنتاج السيارات الأوروبية بنسبة 4.6% في عام 2024 ليبلغ 14.4 مليون وحدة، وفي داخل الاتحاد الأوروبي انخفض الإنتاج بنسبة 6.2%؛ بسبب ضعف ثقة الصناعة.
كما انخفض الإنتاج في أمريكا الشمالية بنسبة 3.2%، وفي الولايات المتحدة بنسبة 3.5%، بينما ارتفع في أمريكا الجنوبية بنسبة 1.7%، مدفوعًا بإنتاج السيارات المرتفع في البرازيل، التي أنتجت نحو 1.9 مليون سيارة، وبالإضافة إلى ذلك، انتعش إنتاج السيارات في روسيا في نهاية عام 2024، إذ سجلت نموًا قدره 45%.
وفي الربع الأول من عام 2025، انخفض إنتاج صناعة السيارات بنسبة 8.7% على أساس سنوي، ومع حلول نهاية عام 2025، تتوقع شركة “ستاندرد آند بورز جلوبال” انخفاض مستويات إنتاج المركبات الخفيفة عالميًا بنسبة 0.4% ليبلغ 88.7 مليون وحدة. وبالإضافة إلى ذلك، سيتغير مشهد إنتاج السيارات بشكل كبير في عام 2025 في ظل التحديات غير المؤكدة التي تواجه الصناعة.
وعلي أثر ذلك انخفضت أسعار سيارات “تسلا” المستعملة في الولايات المتحدة بنحو 10% خلال مارس على أساس سنوي، وهو أكبر انخفاض بين 10 علامات تجارية شهدت انخفاضًا في أسعار السيارات التي تتراوح أعمارها بين سنة وخمس سنوات.
وفقًا لتقرير صادر عن شركة أبحاث السيارات “آي سي كارز”، كان انخفاض أسعار “تسلا” الأكبر، حيث تجاوز معدل تراجع أسعار “كرايسلر” البالغ 8.9% و”مازيراتي” 8.6%.
تحديات عديدة
هناك العديد من التحديات التي تواجه صناعة السيارات العالمية، كما سيتم التوضيح على النحو التالي:
(-) الرسوم الجمركية: قام ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات وبعض أجزاء السيارات التي ستخضع للرسوم
الجمركية في موعد أقصاه 3 مايو، وهو ما سيلحق الضرر بقطاع تصنيع السيارات في الاتحاد الأوروبي بشكل كبير، خاصة صناعة السيارات في ألمانيا والنمسا، مما يُعد صدمة أخرى لقطاع السيارات المُتعثر في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى المكسيك وكندا وكوريا الجنوبية واليابان.
ووفقًا للشكل (3)، يتضح أن المكسيك تُعد لاعبًا أساسيًا في سوق السيارات العالمي، إذ استوردت الولايات المتحدة الأمريكية سيارات بقيمة 50 مليار دولار من المكسيك، بما يشكل 22.8% من واردات أمريكا من السيارات، وتلتها اليابان بقيمة 40.8 مليار دولار، وبنسبة 18.6%، ثم كوريا الجنوبية بقيمة 38 مليار دولار، وبنسبة 17.3%، ثم كندا بقيمة 28.4 مليار دولار، وبنسبة 12.9%، ثم ألمانيا بقيمة 25.6 مليار دولار، وبنسبة 11.7%، ثم المملكة المتحدة بقيمة 9.8 مليار دولار، وبنسبة 4.5%، ثم سلوفاكيا بقيمة 6.3 مليار دولار، وبنسبة 2.9%، ثم إيطاليا بقيمة 3.99 مليار دولار، وبنسبة 1.8%.
ومن هذه القيم المطلقة والنسب، يتضح أن هذه الدول سيتضرر قطاع السيارات داخلها من جراء الرسوم الجمركية لترامب، إذ إن هذه الرسوم من المُرجح أن ترفع تكاليف التصنيع، وتعيد تشكيل خريطة الإنتاج والتوريد في الشركات الكبرى، وهو الأمر الذي يُنذر بتراجع المبيعات وارتفاع الأسعار.
الشكل (3) يوضح أهم الواردات الأمريكية من السيارات حسب الدولة في نهاية عام 2024
(-) ضعف الاقتصاديات: إلى جانب التأثيرات السلبية للرسوم الجمركية على صناعة السيارات، تُعاني بعض الدول من تراجع في صناعة السيارات داخلها، باعتبارها جزءًا من الوضع الاقتصادي الداخلي، ففي الاتحاد الأوروبي، سجل معدل النمو الاقتصادي 0.8% في الربع الثاني من عام 2024 بالمقارنة بـ 4.1% في الربع الثاني من عام 2022.
بالتوازي، تراجعت القدرة التنافسية لصناعة السيارات الأوروبية، فمنذ عام 2017 خسرت شركات صناعة السيارات الأوروبية ما يزيد عن 13% من حصتها السوقية، كما انخفض متوسط ربحية موردي السيارات من 7.4% في عام 2017 إلى 5.1% في عام 2023.
(-) ضعف الطلب على السيارات الكهربائية: تتزايد في مناطق العالم المختلفة قواعد الانبعاثات الجديدة الأكثر صرامة، الأمر الذي جعل شركات السيارات تزيد من إنتاج السيارات الكهربائية، ولكن واجهت الشركات نقصًا في المبيعات؛ بسبب عدم وجود الطرازات بأسعار معقولة، وبطء طرح نقاط الشحن، وتصاعد التوترات التجارية، وزيادة المنافسة من الشركات الصينية الأقل تكلفة.
وفي هذا النطاق، أظهرت بيانات شركة أبحاث السوق “رو موشن” أن المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية ارتفعت بنسبة 20% في النصف الأول من عام 2024، وهي نسبة أبطأ من المتوقع، كما شهدت أوروبا نموًا بنسبة 1% فقط، على الرغم من أنها أكبر سوق للسيارات الكهربائية بعد السوق الصيني.
وترتب على هذا الوضع، مواجهة شركة تسلا تحديات تتعلق بانخفاض مبيعاتها من السيارات الكهربائية، إذ انخفضت مبيعاتها بنسبة 13% في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، وهو ما جعلها تتجه نحو إنتاج سيارات كهربائية بأسعار معقولة.
وبالإضافة إلى ذلك، عندما طرحت شركة دودج سيارة تشارجر دايتونا الكهربائية الجديدة في الربع الأول من عام 2025 لم تُحقق مبيعات سوى 1947 وحدة.
آثار ناجمة
ترتب على الأوضاع الراهنة في سوق السيارات العالمي العديد من الآثار، التي سيتم توضيحها فيما يلي:
(-) خفض معدلات التوظيف: إن الظروف التي تُحيط بسوق السيارات العالمي تُنذر بأن يكون هناك ارتفاع في التكاليف؛ مما سيدفع الشركات إلى خفض معدلات التشغيل داخلها، وهو ما فعلته شركة “مرسيدس بنز” إذ اعتزمت خفض عدد موظفيها وخفض الزيادات المُخطط لها في الرواتب إلى النصف، كما أوضحت شركة فورد الأمريكية لصناعة السيارات عن اعتزامها الاستغناء عن نحو 14% من قوتها العاملة في أوروبا، والبالغ عددهم نحو 28 ألف شخص، وهذا الاستغناء مقرر تنفيذه في نهاية عام 2027.
(-) إمكانية نقل موطن التصنيع: من المُحتمل أن يترتب على الرسوم المفروضة على قطاع السيارات، أن تقوم الدول التي تعتمد على صناعة السيارات في اقتصادها الوطني بنقل تصنيعها إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية كمحاولة للتهرب من الرسوم الجمركية التي ستضر بتصنيع السيارات، فشركة مثل “فيراري RACE” تُصنع جميع سياراتها في إيطاليا، لكنها تبيع نحو 40% من هذه السيارات في السوق الأمريكي باعتبارها ذات هامش ربح أعلى، وبالتالي من المُحتمل أن تنقل تصنيعها إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
(-) ارتفاع أسعار السيارات: توقع بنك “جي بي مورجان” أن الرسوم الجمركية لترامب على واردات السيارات من كندا والمكسيك ستُكلف صناعة السيارات الأمريكية نحو 41 مليار دولار سنويًا، ومن هنا إذا قامت شركات السيارات بنقل التكلفة كاملة إلى المستهلكين، سترتفع أسعار السيارات بنحو 12%.
شركة جنرال موتورز تستورد 40% من سياراتها من كندا والمكسيك، وهو الأمر الذي يجعلها من أكبر الشركات تضررًا من الرسوم، إذ إنه من المتوقع أن تنخفض أرباح هذه الشركة بنسبة 40% في عام 2025. كما أن شركة فورد حذرت وكلاءها من زيادة مرتقبة في الأسعار مع بداية يونيو المقبل، إذ من المتوقع أن تنخفض أرباحها بنسبة 60%.
وفي النهاية، يُمكن القول إن سوق السيارات العالمي تشوبه حالة من الغموض حول مستقبله، فشركات تصنيع السيارات تباينت في ردود فعلها على الرسوم الجمركية لترامب، إذ إن بعضها حاول امتصاص التكاليف بشكل مؤقت، وبعضها نقل التكاليف فورًا إلى المستهلك، ومنها من اتبع إجراءات تقشفية مع الموظفين.
ويتضح أن كل هذه الاستجابات ستؤثر بالسلب على سوق السيارات العالمي، وتعمل على تضخم أسعاره بشكل كبير، وهو الأمر الذي يؤثر على اقتصاديات الدول التي تعتمد على هذه الصناعة، فصناعة السيارات تُساهم بنحو 7% في الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، وتوفر 13.8 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة؛ مما يدل على أن تباطؤها سيضر بهذا الاقتصاد بشكل كبير، وهذا بالقياس على معظم الدول الأخرى.
(-) ضعف الاقتصاديات: إلى جانب التأثيرات السلبية للرسوم الجمركية على صناعة السيارات، تُعاني بعض الدول من تراجع في صناعة السيارات داخلها، باعتبارها جزءًا من الوضع الاقتصادي الداخلي، ففي الاتحاد الأوروبي، سجل معدل النمو الاقتصادي 0.8% في الربع الثاني من عام 2024 بالمقارنة بـ 4.1% في الربع الثاني من عام 2022.
بالتوازي، تراجعت القدرة التنافسية لصناعة السيارات الأوروبية، فمنذ عام 2017 خسرت شركات صناعة السيارات الأوروبية ما يزيد عن 13% من حصتها السوقية، كما انخفض متوسط ربحية موردي السيارات من 7.4% في عام 2017 إلى 5.1% في عام 2023.
(-) ضعف الطلب على السيارات الكهربائية: تتزايد في مناطق العالم المختلفة قواعد الانبعاثات الجديدة الأكثر صرامة، الأمر الذي جعل شركات السيارات تزيد من إنتاج السيارات الكهربائية، ولكن واجهت الشركات نقصًا في المبيعات؛ بسبب عدم وجود الطرازات معقولة، وبطء طرح نقاط الشحن، وتصاعد التوترات التجارية، وزيادة المنافسة من الشركات الصينية الأقل تكلفة.
وفي هذا النطاق، أظهرت بيانات شركة أبحاث السوق “رو موشن” أن المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية ارتفعت بنسبة 20% في النصف الأول من عام 2024، وهي نسبة أبطأ من المتوقع، كما شهدت أوروبا نموًا بنسبة 1% فقط، على الرغم من أنها أكبر سوق للسيارات الكهربائية بعد السوق الصيني.
وترتب على هذا الوضع، مواجهة شركة تسلا تحديات تتعلق بانخفاض مبيعاتها من السيارات الكهربائية، إذ انخفضت مبيعاتها بنسبة 13% في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، وهو ما جعلها تتجه نحو إنتاج سيارات كهربائية بأسعار معقولة.
الٱثار الناجمة :-
ترتب على الأوضاع الراهنة في سوق السيارات العالمي العديد من الآثار، التي سيتم توضيحها فيما يلي:
(-) خفض معدلات التوظيف: إن الظروف التي تُحيط بسوق السيارات العالمي تُنذر بأن يكون هناك ارتفاع في التكاليف؛ مما سيدفع الشركات إلى خفض معدلات التشغيل داخلها، وهو ما فعلته شركة “مرسيدس بنز” إذ اعتزمت خفض عدد موظفيها وخفض الزيادات المُخطط لها في الرواتب إلى النصف، كما أوضحت شركة فورد الأمريكية لصناعة السيارات عن اعتزامها الاستغناء عن نحو 14% من قوتها العاملة في أوروبا، والبالغ عددهم نحو 28 ألف شخص، وهذا الاستغناء مقرر تنفيذه في نهاية عام 2027.
(-) إمكانية نقل موطن التصنيع: من المُحتمل أن يترتب على الرسوم المفروضة على قطاع السيارات، أن تقوم الدول التي تعتمد على صناعة السيارات في اقتصادها الوطني بنقل تصنيعها إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية كمحاولة للتهرب من الرسوم الجمركية التي ستضر بتصنيع السيارات، فشركة مثل “فيراري RACE” تُصنع جميع سياراتها في إيطاليا، لكنها تبيع نحو 40% من هذه السيارات في السوق الأمريكي باعتبارها ذات هامش ربح أعلى، وبالتالي من المُحتمل أن تنقل تصنيعها إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
(-) ارتفاع أسعار السيارات: توقع بنك “جي بي مورجان” أن الرسوم الجمركية لترامب على واردات السيارات من كندا والمكسيك ستُكلف صناعة السيارات الأمريكية نحو 41 مليار دولار سنويًا.
شركة جنرال موتورز تستورد 40% من سياراتها من كندا والمكسيك، وهو الأمر الذي يجعلها من أكبر الشركات تضررًا من الرسوم، إذ إنه من المتوقع أن تنخفض أرباح هذه الشركة بنسبة 40% في عام 2025. كما أن شركة فورد حذرت وكلاءها من زيادة مرتقبة في الأسعار مع بداية يونيو المقبل، إذ من المتوقع أن تنخفض أرباحها بنسبة 60%.
وفي النهاية، يُمكن القول إن سوق السيارات العالمي تشوبه حالة من الغموض حول مستقبله، فشركات تصنيع السيارات تباينت في ردود فعلها على الرسوم الجمركية لترامب، إذ إن بعضها حاول امتصاص التكاليف بشكل مؤقت، وبعضها نقل التكاليف فورًا إلى المستهلك، ومنها من اتبع إجراءات تقشفية مع الموظفين.
عدد المشاهدات: 1