كتب : محمود حنيش
نيبال… أزمة سياسية تتفاقم تحت ضغط الشارع وامتحان صعب للديمقراطية الناشئة
دخلت نيبال مرحلة سياسية دقيقة بعد أن انفجرت موجة احتجاجات عارمة قادها الشباب في العاصمة كاتماندو ومدن أخرى، احتجاجًا على قرار حكومي مثير للجدل يقضي بحظر 26 منصة من وسائل التواصل الاجتماعي. القرار، الذي رآه المحتجون تقييدًا مباشرًا للحريات العامة، أشعل أزمة متصاعدة هزت أركان السلطة وأعادت البلاد إلى قلب معركة حول مستقبل نظامها الديمقراطي.
شرارة الغضب
منذ إعلان الجمهورية عام 2008، عاشت نيبال سلسلة من الأزمات السياسية المتكررة؛ حكومات قصيرة العمر، صراعات حزبية، واتهامات مستمرة بالفساد. لكن قرار الحظر الأخير كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ فتح الباب أمام مظاهرات سلمية تحولت سريعًا إلى مواجهات دامية بين قوات الأمن وآلاف المتظاهرين. وأسفرت الأحداث عن سقوط قتلى وجرحى، إضافة إلى اقتحام وحرق مبانٍ حكومية، بينها مقر البرلمان.
استقالة تحت الضغط
أمام هذا التصعيد، اضطر رئيس الوزراء كيه. بي. شارما أولي إلى تقديم استقالته، في خطوة وُصفت بأنها تنازل اضطراري أمام الشارع الغاضب. وفي محاولة لاحتواء الأزمة، عيّنت الرئاسة القاضية السابقة سوشيلا كاركي رئيسة لحكومة انتقالية، لتكون بذلك أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ البلاد، وحددت انتخابات مبكرة في مارس 2026.
أبعاد الأزمة
سياسية: الاحتجاجات أظهرت حجم الفجوة بين الطبقة السياسية والجيل الجديد، حيث باتت الأحزاب التقليدية موضع اتهام بالعجز عن إدارة الدولة.
أمنية: انتشار الجيش في العاصمة والمدن الكبرى يعكس حجم المخاوف من تفلت الوضع، وسط تحذيرات من انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان.
اقتصادية: الأزمة ألحقت أضرارًا بقطاع السياحة الحيوي، وأثرت على التجارة مع الهند والصين، ما فاقم وضعًا اقتصاديًا هشًا.
اجتماعية: جيل الشباب أصبح القوة الأساسية في الشارع، رافعًا مطالب بتغيير حقيقي يتجاوز إسقاط حكومة وتشكيل أخرى.
التحدي أمام الحكومة الانتقالية
تواجه حكومة كاركي مهمة شاقة: إعادة الثقة إلى الشارع، وفتح حوار وطني واسع يشمل القوى الشبابية والفاعلين السياسيين، إلى جانب تهيئة الظروف لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. لكن نجاح هذا المسار ليس مضمونًا، في ظل تاريخ طويل من إخفاقات النخب السياسية، وتنامي الشكوك حول قدرتها على إدارة مرحلة انتقالية سلسة.
مستقبل غامض
يرى محللون أن نيبال اليوم أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
انتقال سلمي عبر صناديق الاقتراع يقود إلى إصلاح سياسي يعزز الديمقراطية.
تعثر انتخابي يفتح الباب أمام فراغ دستوري وصدام جديد بين المؤسسات.
تصعيد أكبر إذا فشلت الحكومة في الاستجابة لمطالب الشارع، ما قد يعيد البلاد إلى دوامة الفوضى.
الأزمة الحالية ليست مجرد خلاف حول قرار حكومي، بل محطة مفصلية تكشف هشاشة النظام السياسي في نيبال بعد سبعة عشر عامًا على نهاية الملكية. فالمشهد اليوم يتجاوز احتجاجًا عابرًا، ليطرح سؤالًا مصيريًا: هل تنجح البلاد في بناء ديمقراطية مستقرة تستجيب لتطلعات شعبها، أم تبقى عالقة في دوامة الاضطرابات التي لازمتها منذ سنوات؟


