كتب : يسرا عبدالعظيم
مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بندًا يتيح إلغاء “قانون قيصر” على سوريا بنهاية 2025
خطوة تعيد رسم المشهد الإقليمي وتفتح باب الجدل حول مستقبل العقوبات الأمريكية
في تطور مفاجئ يغيّر معادلات العقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ سنوات، أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي مشروعًا يتضمّن بندًا يتيح إلغاء “قانون قيصر” بحلول نهاية عام 2025، بعد تصويت واسع لصالح القرار (77 صوتًا مؤيدًا مقابل 20 معارضًا).
القرار، الذي جاء ضمن النسخة المعدّلة من مشروع الميزانية الأمريكية، يُعدّ أول تحرك تشريعي رسمي نحو تخفيف أو إنهاء العقوبات التي فرضتها واشنطن على دمشق منذ عام 2019، ما يثير تساؤلات عميقة حول دوافعه وأبعاده الاستراتيجية.
ما هو قانون قيصر؟
تم اعتماد “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” في ديسمبر 2019، ودخل حيّز التنفيذ منتصف 2020، بهدف الضغط على النظام السوري لوقف الانتهاكات ضد المدنيين، ودفعه إلى الانخراط في مسار سياسي حقيقي وفق القرار الأممي 2254.
القانون استند إلى شهادات مصوّر عسكري منشقّ، عُرف باسم “قيصر”، سرّب آلاف الصور التي توثّق جرائم تعذيب وقتل داخل السجون السورية.
لكن رغم الطابع الإنساني المعلن، تحوّل القانون إلى أداة حصار اقتصادي شامل، إذ فرض عقوبات واسعة طالت مؤسسات الدولة والقطاع الخاص وحتى أطرافًا خارجية تتعامل مع دمشق، ما أدّى إلى تدهور حاد في الوضع المعيشي للسوريين.
تفاصيل القرار الجديد
وفق ما نقلته صحيفة البيان الإماراتية، فإن مجلس الشيوخ أقرّ تعديلًا ينص على رفع جميع القيود والعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر نهاية عام 2025، مع إتاحة فترة مراجعة تمتد 12 شهرًا لتقييم التزام الحكومة السورية بالمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والعودة الآمنة للاجئين.
كما ألغى التعديل البنود التي كانت تُعيد تفعيل العقوبات تلقائيًا في حال عدم تحقيق تلك المعايير، لتتحول إلى أهداف استرشادية غير ملزمة.
وبذلك، يُصبح التنفيذ الفعلي مرهونًا بقرار سياسي من الإدارة الأمريكية، لا بآلية قانونية تلقائية كما كان في السابق.
دوافع التغيير الأمريكي
1. إعادة ترتيب الأولويات الخارجية
تسعى واشنطن في المرحلة الحالية إلى إعادة توجيه مواردها السياسية والعسكرية نحو مناطق أخرى، خصوصًا في ظل تصاعد التوتر في بحر الصين الجنوبي وأوروبا الشرقية، ما جعل الملف السوري أقل أولوية في الاستراتيجية الأمريكية العامة.
2. ضغط اقتصادي وسياسي من الحلفاء
دول عربية عدة، وعلى رأسها الإمارات والأردن ومصر والسعودية، دعت مرارًا إلى تخفيف العقوبات لتسهيل عودة سوريا إلى محيطها العربي، وفتح باب الاستثمار في إعادة الإعمار ضمن إطار إقليمي منضبط.
3. فشل القانون في تحقيق أهدافه
بعد خمس سنوات من تطبيقه، لم يؤدِّ قانون قيصر إلى تغييرات جوهرية في سلوك النظام السوري، بل زاد من عزلة البلاد ومعاناة المدنيين. لذا، يرى بعض المشرّعين الأمريكيين أن الإبقاء عليه بات يضرّ بالولايات المتحدة أكثر مما يخدم مصالحها.
4. الرغبة في اختبار الانفتاح المشروط
يُعتقد أن إلغاء القانون بنهاية 2025 قد يكون خطوة اختبارية تمهّد لمعادلة جديدة: فتح الباب أمام دمشق تدريجيًا مقابل التزامات سياسية محددة، لا سيما في ملف اللاجئين ومحاربة تهريب المخدرات.
المواقف الإقليمية والدولية
دمشق
رحّبت الحكومة السورية بالقرار واعتبرته “انتصارًا للحق السوري وصمود الشعب”، على لسان وزير الخارجية أسعد الشيباني، الذي وصف الخطوة بأنها “نقطة تحوّل تفتح الباب أمام التعافي الاقتصادي واستعادة الكرامة الوطنية”.
المعارضة السورية
في المقابل، عبّرت قوى المعارضة عن قلقها من أن يُفهم القرار كمنح شرعية للنظام السوري دون أي تنازلات سياسية أو مساءلة عن الانتهاكات، معتبرة أن رفع العقوبات في هذا التوقيت قد يُضعف أوراق الضغط المتبقية بيد المجتمع الدولي.
روسيا وإيران
موسكو وطهران رحبتا بالخطوة، واعتبرتاها اعترافًا ضمنيًا بفشل العقوبات الأمريكية وضرورة العودة إلى التعامل الواقعي مع دمشق، خاصة في ظل الوجود الروسي والإيراني الواسع على الأرض.
التداعيات الاقتصادية المتوقعة
تحريك عجلة الاقتصاد السوري عبر السماح بعودة محدودة للتعاملات المصرفية والاستثمارية.
تحسين تدفق السلع والمواد الأساسية، ما قد يخفف من حدة الأزمة المعيشية ويحدّ من التضخم المتسارع.
فتح الباب أمام شركات عربية وأجنبية للمشاركة في إعادة الإعمار، شريطة التنسيق مع وزارة الخزانة الأمريكية في المرحلة الانتقالية.
ومع ذلك، يحذر خبراء من أن الفساد والبيروقراطية قد يلتهمان أي مكاسب محتملة إذا لم ترافق القرار إصلاحات حقيقية داخلية.
التحديات أمام التنفيذ
التحفظ داخل الكونغرس: رغم إقرار البند في مجلس الشيوخ، قد يواجه معارضة في مجلس النواب من الأعضاء الذين يرون في رفع العقوبات تنازلاً مجانيًا للنظام السوري.
الضغوط من جماعات حقوق الإنسان التي تخشى أن يؤدي القرار إلى تقويض المساءلة عن جرائم الحرب.
الموقف الأوروبي: الاتحاد الأوروبي ما زال متمسكًا بعقوباته الخاصة على دمشق، ما يجعل التأثير العملي للقرار الأمريكي محدودًا دون تنسيق مشترك.
إقرار بند إلغاء “قانون قيصر” يمثل تحوّلًا كبيرًا في النهج الأمريكي تجاه الملف السوري، لكنه لا يعني بالضرورة رفع العقوبات فورًا أو التطبيع الكامل مع دمشق.
القرار يفتح الباب أمام مرحلة اختبار سياسي واقتصادي ستتضح ملامحها خلال العامين المقبلين، بين رغبة واشنطن في إعادة التموضع الاستراتيجي من جهة، وحاجة سوريا الماسة إلى التعافي الاقتصادي من جهة أخرى.


