كتب : يسرا عبدالعظيم
قفزة تاريخية في احتياطيات المركزي التركي..189.734 مليار دولاراحتياطى النقد الاجنبي
في خطوة تعكس تحوّلًا واضحًا في الأداء الاقتصادي التركي، أعلن البنك المركزي في أنقرة عن وصول احتياطياته من النقد الأجنبي إلى 189.734 مليار دولار، وهو أعلى مستوى في تاريخه. هذه القفزة اللافتة تمثل نقطة تحول في مسار السياسة النقدية والمالية للبلاد، وتعيد إلى الواجهة النقاش حول مدى قدرة الاقتصاد التركي على تحقيق استقرار مستدام بعد سنوات من التقلبات والتحديات.
تحول استراتيجي في السياسة النقدية
منذ منتصف عام 2023، تبنّى البنك المركزي التركي سياسة نقدية أكثر تشددًا بقيادة المحافظ حفيظة غاية أركان، في محاولة لاحتواء التضخم الذي تجاوز 60% في بعض الفترات. وجاءت الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة كإشارة واضحة على رغبة أنقرة في كبح جماح الأسعار واستعادة الثقة في الليرة التركية.
التحسن في الاحتياطي يعكس نجاح هذه المقاربة الجديدة التي مزجت بين الانضباط المالي والمرونة في إدارة سعر الصرف، وهو ما سمح بعودة تدريجية للتدفقات الأجنبية إلى السوق المحلي.
تدفقات رأسمالية وتحسن في الحساب الجاري
تشير بيانات وزارة الخزانة والمالية التركية إلى تحسّن ملحوظ في ميزان المدفوعات خلال الأشهر الأخيرة، مدفوعًا بارتفاع إيرادات السياحة وزيادة الصادرات، إلى جانب انحسار الطلب على الواردات نتيجة السياسة النقدية المتشددة.
كما استفادت تركيا من ارتفاع الثقة الدولية عقب إعادة هيكلة السياسة الاقتصادية، ما ساهم في جذب استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة، لا سيما في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والخدمات المالية.
الزيادة القياسية في الاحتياطي النقدي تعني أن البنك المركزي بات يمتلك قدرة أكبر على التدخل في الأسواق لحماية العملة الوطنية وضمان استقرار السوق المالي.
انعكاسات على الليرة والسوق المحلي
استقرار الاحتياطي عند هذا المستوى يعزز قدرة الليرة التركية على مقاومة الضغوط الخارجية، ويمنح صانعي القرار مساحة أوسع لإدارة التقلبات المرتبطة بأسعار الطاقة أو تحركات الدولار.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب استمرار الالتزام بالسياسات الحالية دون العودة إلى التدخلات قصيرة الأجل، مؤكدين أن أي تراجع في الانضباط النقدي قد يهدد المكتسبات التي تحققت خلال العام الجاري.
تحديات مستمرة رغم المؤشرات الإيجابية
ورغم هذه القفزة التاريخية، لا يزال الاقتصاد التركي يواجه تحديات بنيوية مثل ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو في بعض القطاعات الإنتاجية. كما تظل المخاطر الجيوسياسية الإقليمية عاملاً مؤثرًا على الاستقرار المالي، خاصة مع انكشاف الاقتصاد التركي على تقلبات الأسواق العالمية وأسعار الطاقة.
الارتفاع القياسي في احتياطات البنك المركزي التركي إلى نحو 190 مليار دولار لا يمثل مجرد رقم مالي، بل إشارة إلى تحول استراتيجي في بنية الاقتصاد التركي نحو مزيد من الانضباط والاستدامة.
ومع استمرار الإصلاحات الهيكلية وتحسين البيئة الاستثمارية، تبدو تركيا في موقع أقوى لمواجهة الضغوط الخارجية واستعادة موقعها كأحد أبرز الاقتصادات الصاعدة في المنطقة.


