كتب : دينا كمال
توتر متصاعد بين واشنطن وفنزويلا وسط تمدد روسي في الكاريبي
تشهد منطقة الكاريبي حالة من الاستنفار الجيوسياسي غير المسبوق مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا، بعد إعلان الرئيس نيكولاس مادورو امتلاك بلاده نحو خمسة آلاف صاروخ روسي مضاد للطائرات، في خطوة فُسرت على أنها رسالة مباشرة إلى واشنطن بأن النفوذ الروسي بات يقترب من “الحديقة الخلفية لأميركا”.
وأكد مادورو خلال عرض عسكري بحضور كبار قادته أن “كل الجيوش في العالم تعرف قوة صواريخ إيغلاس الروسية التي تمتلكها فنزويلا”، مشيرًا إلى استعداد بلاده للتصدي لأي تهديد عسكري محتمل في منطقة الكاريبي.
ولم يتوقف التوتر عند حدود كاراكاس، بل امتد إلى كولومبيا المجاورة، حيث أعلن وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو لوبيز استعداد قوات بلاده لدعم كولومبيا “في مواجهة الضغوط والإهانات الأميركية”. واعتبر مادورو العلاقة بين البلدين “وحدة مصير”، مؤكدًا أن ما يحدث في كولومبيا ينعكس على فنزويلا والعكس صحيح.
هذا التقارب المفاجئ بين بوغوتا وكاراكاس أعاد خلط أوراق المنطقة، خاصة بعدما اتهم الرئيس الكولومبي واشنطن بتنفيذ “إعدامات” في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، وهاجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب متهمًا إياه بالسعي للسيطرة على النفط تحت ذريعة محاربة تهريب المخدرات.
وفي رد حاد، وصف ترامب نظيره الكولومبي بـ”الرجل السيئ” الذي أضر ببلاده بشدة، ملوحًا بإجراءات صارمة إذا استمرت سياساته الحالية. وقال إن كولومبيا “تغرق في إنتاج الكوكايين والمخدرات التي تتسلل إلى الولايات المتحدة”، مشددًا على أن واشنطن “لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الخطر المتصاعد”.
تأتي تصريحات ترامب وسط تنامي النفوذ الروسي والصيني في أميركا اللاتينية، وهو ما أعاد إلى الواجهة عقيدة “مونرو” التي تعتبر القارة اللاتينية منطقة نفوذ حصرية للولايات المتحدة منذ عام 1823.
وفي تحليله للمشهد، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا أتلانتيك الدكتور روبرت رابيل إن تصريحات مادورو “تستهدف الداخل الفنزويلي أكثر من كونها واقعية على المستوى الاستراتيجي”، مضيفًا أن النظام يعيش منذ 2019 حالة من القلق الداخلي بعد دعم واشنطن لزعيم المعارضة خوان غوايدو بوصفه “الرئيس الشرعي” للبلاد.
وأوضح رابيل أن فنزويلا تحولت تدريجيًا إلى منصة استخباراتية لخصوم الولايات المتحدة، خصوصًا بعد تعزيز علاقاتها مع إيران وروسيا وحزب الله منذ عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز. كما أشار إلى أن موسكو زودت فنزويلا بمنظومات دفاع جوي من طراز S-300 وعناصر استخبارات روسية، ما جعل البلاد مركز نفوذ مباشر في جوار واشنطن الجنوبي.
وأكد الباحث أن الولايات المتحدة تنظر اليوم إلى فنزويلا على أنها بؤرة لتهريب المخدرات والفساد والمعلومات الحساسة، مشيرًا إلى أن موسكو تعتبر أميركا اللاتينية ساحة موازنة نفوذ بعد خسارتها لأوروبا الشرقية، بينما تراها واشنطن تجاوزًا لخط أحمر تاريخي.
وأضاف أن فنزويلا “لم تعد تمثل تحديًا سياسيًا فحسب، بل أصبحت تهديدًا أمنيًا معقدًا”، في ظل اتهامات أميركية لها بدعم شبكات تهريب المخدرات وتمويل جماعات مصنفة إرهابية.
كما حذر رابيل من أن “حرب المخدرات” التي تخوضها واشنطن ضد الكارتلات اللاتينية تمثل اليوم أحد أخطر ملفات الأمن القومي الأميركي، موضحًا أن نحو 200 أميركي بين 18 و45 عامًا يموتون يوميًا بسبب تعاطي المواد الأفيونية، واصفًا ذلك بـ”الحرب الصامتة الأخطر من أي مواجهة عسكرية”.
ويبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التوتر بين واشنطن وموسكو على أبواب الكاريبي، في مشهد يعيد ملامح “الحرب الباردة” إلى النصف الغربي من الكرة الأرضية، حيث تتقاطع المصالح النفطية مع حسابات الأمن القومي الأميركي.


