كتب : يسرا عبدالعظيم
الهند تعرض صفقة نفطية بـ15 مليار دولار لتقليص التوتر مع واشنطن
في خطوة تعكس محاولة جديدة لإعادة الدفء إلى العلاقات بين الهند والولايات المتحدة، كشفت مصادر مطلعة عن عرض قدمته نيودلهي لشراء نفط أمريكي بقيمة 15 مليار دولار، في إطار مساعٍ لتخفيف حدة التوتر القائم مع واشنطن على خلفية واردات الهند من النفط الروسي.
وقالت تقارير اقتصادية إن الحكومة الهندية تدرس توسيع مشترياتها من النفط الأمريكي خلال العامين المقبلين، في إطار استراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتخفيف اعتمادها المتزايد على الخام الروسي الذي وفرته موسكو بأسعار تفضيلية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
محاولة لتقريب المواقف
ويأتي العرض الهندي في وقت حساس للعلاقات بين البلدين، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي قال فيها إن رئيس الوزراء ناريندرا مودي تعهّد بوقف شراء النفط الروسي. غير أن الحكومة الهندية لم تؤكد تلك التصريحات، مكتفية بالإشارة إلى استمرار مراجعة علاقاتها التجارية بما يخدم مصالحها الوطنية.
ويرى مراقبون أن الصفقة المقترحة تمثل مبادرة تهدئة دبلوماسية من جانب نيودلهي، هدفها امتصاص الضغوط الأمريكية المتصاعدة، خصوصًا بعد التهديد بفرض رسوم تجارية إضافية على السلع الهندية إذا لم تتخذ خطوات واضحة للابتعاد عن الطاقة الروسية.
أبعاد اقتصادية واستراتيجية
من الناحية الاقتصادية، تسعى الهند إلى تحقيق توازن دقيق بين تأمين احتياجاتها من الطاقة والحفاظ على علاقاتها الدولية المتشابكة. فالنفط الروسي، الذي يُباع بأسعار أقل من السوق العالمية، يشكل عنصر جذب قوي للهند كأحد أكبر مستوردي الطاقة في العالم، في حين تمثل السوق الأمريكية مصدرًا مستقرًا وأكثر قبولًا سياسيًا لدى الغرب.
ويؤكد خبراء الطاقة أن شراء النفط الأمريكي بهذا الحجم سيعزز الشراكة التجارية بين البلدين، لكنه في المقابل قد يرفع كلفة الواردات على الاقتصاد الهندي، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار الخام الأمريكي مقارنة بالنفط الروسي المخفّض.
تداعيات على سوق النفط
تزامن الكشف عن العرض الهندي مع ارتفاع طفيف في أسعار النفط العالمية، بعدما أشارت أنباء إلى أن نيودلهي قد تقلّص وارداتها من روسيا خلال الأشهر المقبلة. ويرى محللون أن أي تحول فعلي في سياسة الطاقة الهندية سيترك أثرًا مباشرًا على توازنات سوق النفط العالمية، خاصة وأن الهند تعدّ ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الصين والولايات المتحدة.
بين واشنطن وموسكو
من جهة أخرى، يُنتظر أن تتابع موسكو الموقف الهندي بحذر، إذ تعتبر الهند أحد أهم زبائنها في سوق الطاقة منذ فرض العقوبات الغربية على روسيا. ويعتقد مراقبون أن أي تقليص للهند في وارداتها من النفط الروسي سيُعد خسارة استراتيجية لروسيا ومحاولة واضحة من نيودلهي لإعادة التموضع بين القوتين العظميين.
تُظهر هذه الخطوة أن الهند تسعى إلى موازنة معقدة بين مصالحها الاقتصادية وشراكاتها السياسية، في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية لإعادة رسم خريطة الطاقة العالمية.
ومع أن العرض النفطي الضخم قد يفتح صفحة جديدة في العلاقات الهندية-الأمريكية، إلا أن تطبيقه العملي سيظل رهينًا بتطورات السياسة الدولية ومواقف موسكو وواشنطن من هذا التحول المرتقب.


