كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
في تطور جديد يعكس هشاشة الأوضاع الأمنية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، تجددت المعارك بين الجيش الكونغولي ومقاتلي حركة «إم23» بعد يوم واحد فقط من توقيع اتفاق سلام كان من المفترض أن يساهم في تهدئة النزاع المتصاعد منذ عقود. ورغم الآمال التي رافقت الإعلان عن الاتفاق، فإن تأثيره الميداني لم يظهر على الأرض، حيث شهدت المناطق الحدودية اشتباكات عنيفة دفعت المئات من المدنيين إلى الفرار نحو رواندا بحثًا عن الأمان.
وتتركز المواجهات حول بلدة كامانيولا، الواقعة في نقطة تجمع حدودية حساسة تربط بين الكونغو ورواندا وبوروندي، وهي منطقة لطالما شكلت محورًا للصراع بسبب موقعها الاستراتيجي. وخلال الساعات الأخيرة، تمكنت حركة «إم23» من بسط سيطرتها على البلدة، في وقت يحاول فيه الجيش الكونغولي، مدعومًا بآلاف من الجنود البورونديين، استعادة مواقعهم ومنع تقدم المتمردين الذين عززوا انتشارهم في المنطقة.
وأفاد سكان محليون وشهود في المناطق القريبة من الحدود بأن دوي الانفجارات ظل يتردد منذ ساعات الصباح الأولى، فيما اهتزت المباني القريبة من خطوط التماس نتيجة استخدام أسلحة ثقيلة في المواجهات. كما دفع تزايد حدة الاشتباكات عائلات كثيرة إلى عبور الحدود نحو الأراضي الرواندية، محملين بما استطاعوا حمله من متاع، بينما ترك آخرون منازلهم تحت ضغط الخوف من توسع العمليات العسكرية.
وفي ظل تصاعد التوتر، تبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن كسر الهدوء المتوقع بعد توقيع الاتفاق. فقد اتهمت حركة «إم23» القوات البوروندية بإطلاق النار المستمر على مواقع داخل الكونغو، معتبرة ذلك «استهدافًا مباشرًا» لمناطق عدة. في المقابل، أكدت مصادر عسكرية أن القوات المنتشرة على الأرض تعمل على تعزيز مواقعها لمنع سقوطها بيد المقاتلين الذين يحاولون التقدم بدعم لوجستي من جهات في المنطقة.
وأشارت مصادر عسكرية ميدانية إلى أن خطر التصعيد لا يزال قائمًا بقوة مع استمرار العمليات، موضحة أن تعزيزات عسكرية إضافية جرى إرسالها إلى الجبهة، وسط مخاوف من توسع رقعة القتال ووصوله إلى مناطق جديدة. كما لفتت إلى أن الخطوط الأمامية تشهد تبدلًا سريعًا نتيجة كثافة النيران واستخدام مختلف أنواع الأسلحة، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويهدد بموجات نزوح أوسع.
وتأتي هذه التطورات في منطقة تعاني أصلًا من توترات مزمنة تمتد لأكثر من 30 عامًا، إذ تتداخل فيها مصالح جماعات مسلحة وقوى إقليمية، بينما تظل المدن والقرى الحدودية الأكثر عرضة لاشتداد حدة القتال. ومع كل جولة جديدة من المواجهات، يدفع المدنيون الثمن الأكبر من خلال النزوح وفقدان المأوى وانقطاع الخدمات الأساسية، في وقت تعجز فيه الجهود السياسية عن تحقيق تقدم ملموس على الأرض.
ورغم أن الاتفاق الأخير كان يُنظر إليه باعتباره خطوة نحو استعادة جزء من الاستقرار في شرق الكونغو، فإن التطورات الجارية تكشف حجم التحديات التي تواجه تطبيق أي تفاهمات سياسية في منطقة معقدة مثل كيفو الجنوبية. فالتوترات المتراكمة، وتعدد الأطراف المسلحة، والتدخلات الإقليمية، جميعها عوامل تجعل أي محاولة لفرض الاستقرار مرهونة بوقف فعلي للعمليات القتالية وعودة الأطراف إلى الالتزام بتنفيذ بنود التفاهمات الموقّعة.
وفي ظل استمرار القتال وسيطرة حركة «إم23» على بلدة كامانيولا، لا تزال الصورة على الأرض ضبابية، بينما يبقى المدنيون في مواجهة مباشرة مع تداعيات هذا التصعيد. وبينما تتواصل المواجهات ويزداد الحديث عن مخاوف من توسع النزاع، ينتظر السكان في شرق الكونغو خطوات عملية يمكن أن تُترجم إلى تهدئة حقيقية، بعيدًا عن الاتفاقات التي تظل حبرًا على ورق ما لم تُدعم بوقف فعلي لإطلاق النار وآليات رقابة جادة تضمن احترامها.


