كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
في الوقت الذي نجح فيه ناديا الاتحاد والهلال في جذب اهتمام استثماري واضح وظهور عروض شراء واستحواذ جادة خلال الفترة الماضية، يبرز تساؤل لافت في الشارع الرياضي السعودي: لماذا لم تصل عروض مماثلة بالقوة نفسها إلى ناديي النصر والأهلي، رغم امتلاكهما قاعدة جماهيرية ضخمة ونجومًا عالميين؟
هذا السؤال فتح باب التحليل حول مجموعة من العوامل الاقتصادية والرياضية والإدارية التي لعبت دورًا مباشرًا في رسم خريطة الاستثمار داخل الأندية الأربعة الكبار.
أولى هذه العوامل تتعلق بالجاهزية المالية والهيكلية الاستثمارية. فالاتحاد والهلال دخلا مبكرًا في مسار إعادة الهيكلة المالية، مع وضوح نسبي في الالتزامات، ومستوى أعلى من الانضباط المالي، ما جعل تقييمهما الاستثماري أكثر جاذبية للمستثمرين. في المقابل، لا يزال النصر والأهلي يعانيان من تعقيدات مالية متراكمة، تتعلق بعقود لاعبين سابقة، والتزامات تشغيلية مرتفعة، وتفاوت في استقرار الإيرادات، وهو ما يدفع أي مستثمر محتمل للتريث أو طلب ضمانات إضافية قبل الدخول.
العامل الثاني يرتبط بالاستقرار الإداري وصناعة القرار. فالهلال والاتحاد شهدا خلال الفترات الأخيرة درجة أعلى من الاستقرار في الإدارات التنفيذية وخطط العمل، ما انعكس على وضوح الرؤية المستقبلية. على الجانب الآخر، مرّ النصر والأهلي بتغيرات إدارية متلاحقة، واختلاف في التوجهات بين الإدارات المتعاقبة، الأمر الذي يثير مخاوف المستثمرين من صعوبة اتخاذ قرارات طويلة الأمد أو تنفيذ استراتيجيات استثمارية واضحة دون عوائق داخلية.
أما العامل الثالث فيتعلق بالصورة التسويقية والعائد المتوقع. صحيح أن النصر يضم أسماء عالمية لامعة، إلا أن الاعتماد الكبير على نجوم ذوي كلفة تشغيلية مرتفعة، دون ترجمة ذلك إلى بطولات قارية أو استقرار فني طويل، قلل من وضوح العائد الاستثماري على المدى المتوسط. وبالنسبة للأهلي، فإن العودة الحديثة إلى المنافسة بعد فترات من التذبذب جعلت المستثمرين يفضّلون الانتظار لرؤية استدامة الأداء قبل ضخ استثمارات ضخمة في نادٍ لا تزال نتائجه قيد الاختبار.
كذلك، تلعب العوامل الرياضية البحتة دورًا مؤثرًا. فالهلال يتمتع بتاريخ قاري قوي وحضور دائم في البطولات الكبرى، ما يرفع من قيمته السوقية كعلامة رياضية قادرة على تحقيق عوائد إقليمية وقارية. والاتحاد بدوره استفاد من نجاحات محلية وقارية أعادت تقديمه كقوة تنافسية مستقرة. في المقابل، لم ينجح النصر والأهلي حتى الآن في تقديم نموذج رياضي متوازن يجمع بين النجومية والبطولات والاستقرار الفني، وهو ما يبحث عنه المستثمر قبل اتخاذ قرار الشراء.
ولا يمكن إغفال زاوية التوقيت. فالعروض الاستثمارية غالبًا ما ترتبط بلحظات ذروة في الأداء أو الشعبية. الهلال والاتحاد قدّما نفسيهما في لحظة مناسبة، تزامنت مع نتائج قوية وحضور جماهيري لافت، بينما جاء النصر والأهلي في مرحلة انتقالية، تتسم بإعادة البناء أو البحث عن هوية فنية مستقرة، ما جعل التوقيت أقل إغراءً للمستثمرين.
في المحصلة، فإن غياب العروض الجادة لشراء النصر والأهلي لا يعكس ضعفًا في القيمة الجماهيرية أو التاريخية، بقدر ما يكشف عن حاجة ملحة لمزيد من الاستقرار المالي والإداري، ووضوح الرؤية الاستثمارية، وتحقيق توازن بين النجومية والنتائج. ومع استمرار مشروع تخصيص الأندية وتطور البيئة الرياضية في المملكة، يبقى الباب مفتوحًا أمام تغيّر المعادلة، حال نجح الناديان في معالجة هذه الملفات وتقديم نفسيهما بصورة أكثر جذبًا لرأس المال الاستثماري في المرحلة المقبلة.


