كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة جديدة لإعادة فتح قنوات الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كجزء من جهود دولية تهدف إلى إنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات. تأتي هذه الدعوة في ظل تصعيد مستمر في ساحات القتال ومفاوضات دبلوماسية متعثرة منذ اندلاع النزاع في فبراير 2022، وسط تباينات حادة في المواقف بين الأطراف المعنية.
وقال ماكرون يوم الجمعة إنه يرى أن الوقت قد حان لإعادة الاجتماع والمفاوضات المباشرة مع موسكو، مشيرًا إلى أن الحوار قد يكون مفيدًا ليس فقط لفرنسا بل أيضًا للأوروبيين والأطراف الدولية الأخرى التي تسعى لوقف إراقة الدماء. هذه التصريحات تأتي في وقت تشهد فيه الجهود الدبلوماسية لحل النزاع تعقيدات وتحديات متكررة، في ظل استمرار المعارك في أكثر من جبهة على الأراضي الأوكرانية.
خلفية النزاع المستمر وتداعياته
منذ أن بدأت العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022، تحولت المواجهات إلى نزاع دموي أوقع آلاف القتلى والجرحى، ودفع ملايين المدنيين إلى ترك منازلهم هربًا من القصف والهجمات المتواصلة. بالرغم من مرور سنوات على القتال، لم تسفر المفاوضات السابقة عن وقف شامل لإطلاق النار أو اتفاق سلام دائم، ما دفع العديد من القوى العالمية إلى محاولة الدفع نحو حل سياسي أو دبلوماسي.
وقد سبقت دعوة ماكرون تطورات دبلوماسية متعددة خلال الأشهر الماضية، منها اتصالات هاتفية بين الرئيس الأميركي ونظيره الروسي، ولقاءات ثنائية جمعت قادة عالميين في مساعٍ متعددة لتحقيق تقدم في الملف الأوكراني، لكنها غالبًا ما اصطدمت بعقبات تتعلق بشروط وقف النار وتبادل الأراضي والضمانات الأمنية لأوكرانيا.
ردود الأفعال الدولية وتحركات القوى الكبرى
في سياق الدعوة الفرنسية لإعادة فتح الحوار، تباينت ردود الفعل بين القوى الغربية الكبرى. ففي الوقت الذي رحبت فيه بعض العواصم الأوروبية بجهود تخفيض التصعيد، عبرت واشنطن وكذلك كييف عن تحفظات حيال العودة إلى مفاوضات مباشرة دون وجود شروط واضحة لوقف إطلاق النار واستعادة الأراضي المحتلة. كما شدد قادة آخرون على ضرورة أن تكون أي محادثات ترتكز على مبادئ احترام سيادة أوكرانيا وعدم التنازل عن المكاسب التي حققها الجيش الأوكراني على الأرض.
وفي المقابل، يرى بعض المحللين أن موسكو قد تكون منفتحة بشكل نسبي على فكرة الحوار، لكن بشروطها الخاصة التي قد تشمل مطالب تتعلق بالاعتراف بالسيطرة على مناطق معينة أو ضمانات أمنية تتصل بموقع الناتو على الحدود الشرقية لأوروبا. وقد عبر المسؤولون الروس في مناسبات عديدة عن استعدادهم لمناقشة قضايا تتعلق بالأمن الإقليمي، لكن دون التوصل إلى تفاهمات واضحة حول وقف شامل للعمليات العسكرية.
تحديات المفاوضات والمواقف الأوكرانية
من جانبها، تبقى أوكرانيا حذرة إزاء العودة إلى مائدة المفاوضات مع موسكو، خصوصًا في ظل استمرار الأعمال القتالية ومعاناة السكان المدنيين في مناطق متفرقة من البلاد. وقد أكدت كييف في وقت سابق على ضرورة أن تكون المفاوضات مصحوبة بضمانات أمنية حقيقية ووقف كامل وموثوق لإطلاق النار قبل المضي قدمًا في أي محادثات جوهرية.
كما أن هناك انقسامات في الداخل الأوكراني حول كيفية التعامل مع الضغوط الدولية للموافقة على وقف القتال، إذ يخشى بعض القادة من أن يؤدي ذلك إلى تنازلات إقليمية غير مقبولة تؤثر على وحدة الأراضي الأوكرانية وسيادتها. تلك المخاوف تعرقل جهود التوصل إلى رؤية مشتركة للسلام، مما يزيد من تعقيد الموقف الدولي تجاه النزاع.
تحديات الطريق نحو السلام
بينما يدعو ماكرون لإعادة فتح قنوات الحوار، فإن العديد من العوامل لا تزال تحول دون تحقيق تقدم ملموس نحو إنهاء الحرب. من أبرز هذه العوامل:
اختلاف الأجندات الدولية: لا يبدو أن هناك توافقًا كاملاً بين القوى الغربية حول كيفية الضغط على موسكو لقبول شروط وقف إطلاق النار، خاصة فيما يتعلق بالضمانات الأمنية لأوكرانيا ومستقبل العلاقة مع الناتو.
شروط موسكو: تظل مطالب روسيا المتعلقة بالاعتراف بالسيطرة على بعض الأراضي أو التزامات أمنية طويلة الأمد عقبة أمام أي اتفاق شامل.
موقف أوكرانيا: إصرار كييف على عدم تقديم تنازلات إقليمية قبل ضمانات أمنية كاملة يعقد مسار التفاوض.
تبقى دعوة الرئيس الفرنسي لإعادة الحوار مع بوتين مؤشرًا على استمرار السعي الدولي نحو حل سياسي للنزاع الأوكراني، لكنها في الوقت نفسه تسلط الضوء على حجم التحديات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق سلام شامل. في ظل استمرار المعارك وتباين المواقف الدولية والأولويات الإقليمية، يبدو أن الطريق نحو نهاية الحرب لا يزال مليئًا بالعقبات، مع حاجة واضحة لتوافق دولي أوسع وجهود دبلوماسية متجددة توازن بين الأمن والسلام والحقوق السيادية للأطراف المعنية.


