كتب : حسيبة صالح / سوريا
توقفت أمام عبارة واسيني الأعرج في روايته أصابع لوليتا
“الحواس التي لانوقظ تموت مع الزمن، مثل كل الكائنات الحية تحتاج الحواس البشرية إلى من يشعرها من حين للآخر أنها ما تزال حية وتستحق أن تعيش، توقظ من غفلتها.”شعرت أنها ليست مجرد جملة أدبية با مرآة لرحلة الإنسان في مواجهة الغفلة والاعتياد ،إنها دعوة للعودة إلى الذات إلى تلك اللحظات الصغيرة التي تمنحنا معنى الحياة .
هي نافذة على سؤال وجودي عميق: كيف نحافظ على حواسنا حيّة وسط ضجيج الحياة؟ وكيف نعيد إليها الدهشة التي كانت ترافقنا في طفولتنا حين كنا نندهش من أبسط الأشياء؟
الحواس كجسور إلى العالم
الحواس هي نوافذ الروح، بها نرى ونسمع ونلمس ونشم ونذوق معنى الحياة.
حين نهملها، نصبح أسرى الاعتياد، ونفقد القدرة على التفاعل مع تفاصيل صغيرة كانت تمنحنا الفرح.
كم مرة نسينا أن نصغي لصوت المطر، أو أن نتأمل جدار بيت قديم يحمل ذاكرة الأهل والجدات؟
البعد الفلسفي والوجداني
موت الحواس ليس موتاً جسدياً، بل موت وجداني يسرق من الإنسان قدرته على التذوق والفرح.
إيقاظ الحواس هو فعل مقاومة ضد التبلّد، وضد تحويل الإنسان إلى آلة بلا روح.
في كل لمسة، في كل نظرة، في كل رائحة خبز يخرج من فرن الطفولة، هناك حياة تستحق أن تُعاش.
الحنين كطريق للإحياء
الحنين ليس ضعفاً، بل هو استدعاء للحواس التي كادت أن تنطفئ.
حين نتذكر أصوات الجدات، أو نستنشق عبق البيوت القديمة، نحن نوقظ حواسنا من جديد.
التراث، الموسيقى، الأدب، وحتى تفاصيل الأزقة، كلها مفاتيح لإعادة الحياة إلى حواسنا.
الحواس التي لا نوقظها تموت، والإنسان الذي لا يوقظ ذاته يفقد جزءاً من إنسانيته. لعل رسالتنا اليوم أن نعيد الاعتبار للحواس، أن نمنحها فرصة لتتنفس، أن نسمح لها بأن تقول لنا: نحن ما زلنا أحياء… وما زلنا نستحق أن نعيش.


