كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
دفعت روسيا بمنظومات صواريخ «يارس» الاستراتيجية إلى مناطق واسعة في سيبيريا، في خطوة جديدة تعكس استمرار تعزيز جاهزية قواتها النووية الاستراتيجية، وسط تصاعد التوترات الدولية واستمرار الحرب في أوكرانيا. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن وحدات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من طراز «يارس» بدأت تنفيذ مهام انتشار ميداني ضمن تدريبات مخططة، تشمل التحرك لمسافات طويلة والتمركز في مواقع جديدة مخصصة للإطلاق.
وأوضحت الوزارة أن الأطقم العسكرية المشاركة في هذه التدريبات تقوم بتنفيذ دوريات قتالية في ظروف ميدانية معقدة، تتضمن التحرك الليلي، واستخدام أساليب التمويه، وتأمين الحماية القتالية لوحدات الصواريخ أثناء الانتشار. كما تشمل التدريبات تغيير مواقع الإطلاق بشكل متكرر، وهو ما يهدف إلى رفع مستوى الجاهزية العملياتية وتقليل فرص رصد هذه المنظومات من قبل وسائل الاستطلاع المعادية.
وتُعد منظومة «يارس» واحدة من أهم ركائز الردع النووي الروسي، حيث تمثل العمود الفقري للقوات الصاروخية الاستراتيجية في البلاد. ويتميز هذا الصاروخ بقدرته على حمل عدة رؤوس نووية موجهة بشكل مستقل، إضافة إلى اعتماده على منصات إطلاق متنقلة، ما يمنحه مرونة عالية ويصعب عملية تعقبه أو تدميره في حال نشوب صراع عسكري واسع النطاق.
وتشير موسكو إلى أن هذه التحركات تندرج في إطار التدريبات الدورية المعتادة، ولا ترتبط بأي تصعيد مباشر، مؤكدة أن الهدف منها هو الحفاظ على الجاهزية القتالية وضمان قدرة القوات الاستراتيجية على تنفيذ مهامها في جميع الظروف. إلا أن توقيت هذه التدريبات، ومكانها في عمق الأراضي السيبيرية، يحمل دلالات سياسية وعسكرية واضحة، خاصة في ظل التوتر المتزايد بين روسيا والغرب.
ويُنظر إلى سيبيريا باعتبارها منطقة استراتيجية بالغة الأهمية في العقيدة العسكرية الروسية، نظراً لاتساعها الجغرافي وبعدها عن الحدود الغربية، ما يوفر عمقاً دفاعياً كبيراً لمنظومات الصواريخ النووية. كما أن البنية التحتية العسكرية المنتشرة في هذه المناطق تسمح بمرونة أكبر في التحرك والانتشار، وهو ما يعزز من قدرات الردع الروسية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه العلاقات الروسية-الغربية توتراً غير مسبوق، على خلفية الخلافات بشأن الأمن الأوروبي، والاتهامات المتبادلة حول تقويض اتفاقيات الحد من التسلح النووي. وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن تعزيز انتشار «يارس» يحمل رسالة واضحة مفادها أن موسكو لا تزال قادرة على الحفاظ على توازن الردع النووي، مهما بلغت الضغوط السياسية والعسكرية المفروضة عليها.
وتواصل روسيا، بالتوازي مع هذه التحركات، تنفيذ برامج تحديث شاملة لقواتها النووية، تشمل إدخال منظومات صاروخية أكثر تطوراً، وتحسين وسائل القيادة والسيطرة، إضافة إلى إجراء مناورات واسعة النطاق تشارك فيها آلاف العناصر من القوات الاستراتيجية. وتؤكد القيادة العسكرية الروسية أن هذه الإجراءات ضرورية لضمان أمن البلاد وسيادتها في ظل ما تصفه بتزايد التهديدات الخارجية.
وبينما تثير هذه التحركات قلقاً في الأوساط الغربية، تصر موسكو على أن قواتها النووية تظل أداة ردع لا تهدف إلى التصعيد، بل إلى منع أي محاولة للمساس بأمنها القومي، في وقت يشهد فيه النظام الدولي واحدة من أكثر مراحله اضطراباً منذ نهاية الحرب الباردة.


