كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
شهدت المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان، مساء الجمعة، توترًا جديدًا بعد وقوع إطلاق نار كثيف بين الجانبين، في تطور يعكس هشاشة الوضع الأمني على طول الحدود المشتركة، رغم الجهود الدبلوماسية المستمرة لاحتواء الأزمة. وأكدت مصادر من الجانبين أن الاشتباكات وقعت في موقع حدودي شهد خلال الأشهر الماضية سلسلة من التوترات المتصاعدة، دون ورود تقارير فورية عن وقوع إصابات أو خسائر بشرية.
ويأتي هذا التصعيد بعد يومين فقط من إعلان فشل جولة جديدة من محادثات السلام بين الطرفين، وهي المحادثات التي كانت تُعوّل عليها الأطراف الإقليمية والجهات الدولية لفتح نافذة أمل نحو تسوية مستدامة تمنع تجدد الاشتباكات. وبحسب ما نُقل عن مسؤولين من البلدين، فإن جولة المفاوضات الأخيرة التي استضافتها السعودية مطلع الأسبوع الماضي لم تنجح في تحقيق أي تقدم ملموس، على الرغم من التزام الطرفين المبدئي بوقف إطلاق النار القائم منذ أكتوبر.
وتُعد هذه المحادثات امتدادًا لمسار طويل من الاجتماعات التي استضافتها دول عدة بينها قطر وتركيا والسعودية، والتي جاءت عقب اشتباكات حدودية مميتة وقعت في أكتوبر وأسفرت حينها عن مقتل عدد من الجنود. ورغم أن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في الدوحة بقي صامدًا إلى حد كبير خلال الأسابيع الماضية، فإن محاولات تثبيت اتفاق طويل الأمد عبر محادثات متابعة في إسطنبول الشهر الماضي أخفقت بدورها في الوصول إلى صيغة اتفاق شامل.
وكشف ثلاثة مسؤولين أفغان واثنان من الجانب الباكستاني أن المبادرة السعودية الأخيرة كانت تهدف إلى كسر الجمود بين الطرفين ودفعهما نحو تفاهمات أمنية أكثر استقرارًا، بمشاركة ممثلين عن الجيش والأجهزة الاستخباراتية ووزارة الخارجية في باكستان. ووفق ما أكدته هذه المصادر، فقد اتفق الجانبان على الحفاظ على وقف إطلاق النار، إلا أن التوترات المتراكمة وسلسلة الاتهامات المتبادلة لا تزال تُضعف فرص تثبيت أي اتفاق مستدام.
وتتهم باكستان جارتها أفغانستان بالسماح لمسلحين متمركزين داخل أراضيها بتنفيذ هجمات خلال الفترة الأخيرة داخل باكستان، من بينهم مقاتلون من جنسيات مختلفة. وترى إسلام آباد أن الفصائل المسلحة تستغل المناطق الحدودية الوعرة لتنظيم عمليات تستهدف وحداتها الأمنية، بينما ترفض كابل هذه الاتهامات بشكل قاطع، مؤكدة أنها غير مسؤولة عن الوضع الأمني الداخلي في باكستان، وأنها بدورها تواجه تحديات أمنية معقدة داخل حدودها.
ويشير محللون إلى أن التوترات الحدودية بين البلدين ليست وليدة اللحظة، بل تتكرر منذ سنوات بسبب قضايا مرتبطة بالمعابر، والتحركات المسلحة، والخلافات القديمة حول رسم الحدود. وتعتبر المنطقة الحدودية من أكثر النقاط حساسية في جنوب آسيا، حيث يتداخل فيها الأمن والسياسة والتأثيرات الإقليمية والدولية.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي أي تصعيد جديد إلى تقويض ما تبقى من جهود التهدئة التي استمرت على مدى الأسابيع الماضية، خصوصًا في ظل الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه المناطق القريبة من الحدود، إلى جانب الحاجة الملحة للتعاون بين الجانبين لضبط تحركات الجماعات المسلحة.
ومع تكرار الاشتباكات وغياب اتفاق نهائي، تبدو الأزمة مفتوحة على عدة سيناريوهات، خاصة في ظل غياب ثقة راسخة بين الطرفين وارتفاع وتيرة الاتهامات. ورغم أن الجانبين أعلنا تمسكهما بوقف إطلاق النار، إلا أن الأحداث المتكررة تشير إلى أن الطريق نحو حل طويل الأمد لا يزال مليئًا بالتحديات.


