كتب : دينا كمال
الساعات النووية.. قفزة غير مسبوقة في دقة قياس الزمن
تُصنَّف الساعات النووية باعتبارها أحدث ما توصل إليه العلم في مجال قياس الزمن فائق الدقة، في ظل أبحاث علمية حديثة اقترحت تقنيات جديدة لبنائها وتطويرها.
وشهدت أدوات قياس الوقت تطورًا متسارعًا عبر التاريخ، إلا أن الساعات التقليدية، بما فيها ساعات الكوارتز، لا تزال عرضة لفقدان الدقة بمرور الوقت، وهو ما يبرز الحاجة إلى أنظمة توقيت أكثر دقة تعتمد عليها شبكات الاتصالات والتقنيات الحديثة.
وتُعد الساعات الذرية حاليًا أدق وسيلة معتمدة لقياس الوقت، إذ تعتمد على تتبع التذبذبات الطبيعية للذرات باستخدام نبضات الليزر، حيث تعمل هذه التذبذبات كنقاط مرجعية لاحتساب مرور الزمن، وتتميز أفضلها بدقة تمنع انحرافها ثانية واحدة على مدى عمر الكون التقديري.
وخلال العقدين الماضيين، أسهم الفيزيائي النظري أندريه ديريفيانكو في تحقيق تقدم لافت في مجال ضبط الوقت، من خلال أبحاثه المتعلقة بالساعات الذرية، قبل أن ينضم مؤخرًا إلى فرق بحثية تعمل على تطوير الساعات النووية.
وأوضح ديريفيانكو أن الساعات النووية تعتمد على قياس تذبذبات نواة الذرة بدلًا من الذرة نفسها، وهو ما يجعلها أقل تأثرًا بالعوامل الخارجية، ويمنحها مستوى أعلى من الدقة مقارنة بالساعات الذرية.
وأشار إلى أن التحدي الرئيس في هذا المجال يتمثل في صعوبة فحص نواة الذرة، إذ يتطلب ذلك تقنيات ليزر متقدمة لم تكن متاحة سابقًا، باستثناء نظير نادر يُعرف باسم “ثوريوم-229”، الذي يُعد مرشحًا واعدًا لتطوير هذا النوع من الساعات.
وبيّن أن هذا النظير، الناتج عن تحلل اليورانيوم-233، يتميز بخصائص فريدة تسمح باستخدامه في ضبط الوقت النووي، وقد ساهمت أبحاث حديثة في تطوير طريقة لمعالجته على هيئة طبقات رقيقة، ما يقلل من مخاطره الإشعاعية وتكلفته.
وساعدت هذه الطبقات الرقيقة أيضًا في الكشف عن تأثيرات كمومية جديدة، إلى جانب فتح آفاق بحثية لدراسة مركبات الثوريوم وتطبيقاتها المحتملة في مجال الطاقة النووية.
وفي تطور علمي لافت، أثبتت دراسات حديثة نجاح استخدام مطيافية الليزر لأول مرة لرصد الانتقال النووي، وهي تقنية كانت نظرية سابقًا، ما يُعد خطوة محورية في تطوير الساعات النووية.
وعلى مدار السنوات الماضية، شارك ديريفيانكو في وضع الأسس النظرية للساعات النووية ذات الحالة الصلبة، وأسهم هذا العمل في رصد أول إشارة فعلية لساعة نووية عام 2024، مع تقديم تصورات قد تُغير مستقبل هذا المجال.
وأكد أن الفهم العميق للآليات الفيزيائية المعقدة لا يساهم فقط في بناء الساعة النووية، بل يساعد أيضًا في تحسين أدائها وتصغير حجمها، مشيرًا إلى إمكانية تطوير ساعات فائقة الدقة بحجم هاتف ذكي.
وتفتح الساعات النووية آفاقًا واسعة للاستخدام في أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية والاتصالات، إضافة إلى تطبيقات في القياسات الجيوديسية ودراسة توزيع الجاذبية على سطح الأرض.
كما يُتوقع أن تلعب هذه الساعات دورًا مهمًا في استكشاف الموارد الطبيعية والبحث في أسرار المادة المظلمة، ما يجعلها إحدى أكثر التقنيات الواعدة في مستقبل العلوم والتكنولوجيا.


