كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
تشهد القارة الأفريقية منذ عدة سنوات تصاعدًا لظاهرة الانقلابات العسكرية التي تضعف من استقرار الأنظمة الديمقراطية وتهدد مساعي التنمية والتحول السياسي في عدد من الدول، في ظل انتشار ما وصفه خبراء بأنه عدوى الانقلابات التي تمتد من منطقة الساحل إلى وسط القارة والمحيط الهندي، مما يعكس ثقة متزايدة لدى القيادات العسكرية في الإطاحة بالحكومات المنتخبة بدل اللجوء إلى صناديق الاقتراع.
وتُعد غينيا بيساو واحدًا من أحدث الأمثلة على هذا النمط، إذ أعلن الجيش عن السيطرة على البلاد وتعليق العملية الانتخابية بعد الانتخابات العامة التي جرت في نوفمبر 2025، في ظل توترات سياسية متكررة منذ عقود.
كما يعكس محاولة الانقلاب في بنين مطلع ديسمبر 2025 استمرارًا لهذا الاتجاه، حيث سيطر مسلحون لفترة وجيزة على القصر الرئاسي قبل أن يستعيد الجيش الحكومي السيطرة بدعم من قوى إقليمية، في مؤشر على هشاشة المؤسسات الديمقراطية حتى في البلدان التي كانت تُعد مستقرة نسبيًا.
وفي مدغشقر في أكتوبر 2025، شهدت البلاد انقلابًا عسكريًا عقب احتجاجات شعبية واسعة، أدى إلى تولي الجيش السلطة وتعليق الدستور وتعليق المؤسسات الديمقراطية، ما يبرز كيف يمكن للأزمات الاجتماعية والاقتصادية أن تتحول إلى ذريعة للتدخل العسكري.
ويشير الباحثون في مؤتمر أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة إلى أن هذه الانقلابات ليست مجرد خروج على الشرعية الدستورية، بل تعكس أزمات عميقة في نظم الحكم وضعف المؤسسات المدنية في مواجهة الفساد وتنامي المشاعر المناهضة للهيمنة الخارجية، مما يوفر بيئة تمكينية للانقلابات ويقوّض الثقة في الانتخابات كوسيلة للتغيير السياسي.
ويرى محللون أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى تراجع الديمقراطية بصورة أكبر في القارة، خصوصًا في ظل تباين الردود الدولية والإقليمية على تلك الانقلابات، وهو ما دفع بعض الدول والمنظمات إلى التحذير من انتشار “شعبوية عسكرية” بوصفها استجابة لفشل الحكومات المنتخبة في تحقيق الاستقرار والتنمية.
ومع أن بعض القادة، مثل الرئيس الرواندي، حاولوا تفسير الانقلابات كتعليقات على فشل الحكومات في إدارة الأزمات، فإن غالبية المراقبين يعتبرون أن العودة إلى الحكم العسكري بدلًا من الانتخابات يمثل انتكاسة لمسار الديمقراطية التي تعاني بالفعل من صعوبات في العديد من الدول الأفريقية.
*في الوقت الذي تواجه فيه أفريقيا تحديات اقتصادية وأمنية وسياسية متشابكة، تظل الحاجة ماسة إلى دعم مؤسسات مدنية قوية وتحسين جودة الانتخابات وضمان احترام نتائجها، لضمان أن يكون الصندوق، وليس الرصاصة، أداة تفويض الإرادة الشعبية.*


