كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
في خطاب حمل رسائل سياسية مباشرة، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مواصلة ما وصفه بـ”المجهود الحربي” في دعم أوكرانيا، مشددًا على ضرورة زيادة الضغوط الاقتصادية على روسيا، وتوحيد الموقف بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية في مواجهة التطورات الجارية. وجاءت تصريحات ماكرون خلال كلمة ألقاها في الصين، في إطار زيارة رسمية شهدت نقاشات موسعة مع القيادة الصينية حول الحرب الأوكرانية والعلاقات التجارية بين بكين والاتحاد الأوروبي.
ماكرون أكد في خطابه أن استمرار الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا ضرورة لا يمكن التراجع عنها في هذه المرحلة، معتبرًا أن الضغط على موسكو يشكل أحد أهم أدوات احتواء تداعيات الحرب. وقال إن المرحلة الحالية تتطلب “تماسكًا غربيًا كاملًا”، مشيرًا إلى أن أي تباين بين الأوروبيين والأميركيين سيضعف القدرة على مواجهة تداعيات الصراع. وأضاف أن تنسيق الموقف الغربي لم يعد خيارًا سياسيًا فحسب، بل ضرورة تمسّ الأمن الأوروبي ومستقبل النظام الدولي.
وفي سياق حديثه في الصين، شدد ماكرون على أن بكين تلعب دورًا محوريًا في موازين القوى العالمية، وأن لديها القدرة على التأثير في مسار الحرب الأوكرانية. وأوضح أنه ناقش مطولًا مع الجانب الصيني تطورات الحرب، متحدثًا عن “تهديد حيوي” تمثله الأزمة للأمن الأوروبي. كما دعا الصين إلى الانضمام إلى الجهود الرامية للتوصل إلى وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن الإسراع في تحقيق ذلك سيمنع اتساع رقعة التوترات في القارة الأوروبية.
الرئيس الفرنسي استغل ظهوره الإعلامي المشترك مع الرئيس الصيني شي جينبينغ للتأكيد على ضرورة تصحيح الاختلالات في التوازن التجاري بين الصين وأوروبا، لكنه عاد ليضع الملف الأوكراني في مقدمة أولويات زيارته. وخلال كلمته، قال إن وحدة الأوروبيين والأميركيين في التعاطي مع الملف الأوكراني باتت “أمرًا لا غنى عنه”، معتبرًا أن أي تراجع في الضغط الاقتصادي على روسيا سيمنح موسكو مساحة أوسع لمواصلة عملياتها العسكرية.
وبحسب ماكرون، فإن الحفاظ على مستوى مرتفع من الضغط الاقتصادي والسياسي على روسيا هو الطريق الأقصر لدفعها إلى الانخراط في مسار يؤدي إلى حل سياسي، ولو بشكل تدريجي. وأضاف أن الوقت ليس مناسبًا للتراخي أو تخفيف الأدوات العقابية، مشددًا على ضرورة استمرار العمل المشترك لمنع تدهور الأوضاع بشكل أكبر.
وخلال مباحثاته في بكين، أكد ماكرون أنه لمس اهتمامًا من القيادة الصينية بتطورات الحرب، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى وجود اختلاف واضح في المواقف بين بكين والدول الأوروبية بشأن المسؤوليات المتعلقة بالأزمة الأوكرانية. وذكر أن شي جينبينغ نفى أي مسؤولية لبلاده في ما وصلت إليه الأوضاع، مؤكدًا أن الصين تدعو دائمًا إلى حل سلمي وتوازن في العلاقات الدولية.
ماكرون أبدى أملًا بأن تنخرط الصين بدرجة أكبر في الجهود الدولية الساعية إلى التهدئة، ولا سيما في ما يخص وقف إطلاق النار. وقال إن إقناع موسكو بقبول تهدئة ميدانية بحاجة إلى جهود إضافية من القوى الدولية المؤثرة، وعلى رأسها الصين، التي تربطها علاقات وثيقة بروسيا. وأوضح أن وقف إطلاق النار – حتى لو كان مؤقتًا – سيفتح الباب أمام ترتيبات أكثر استدامة يمكن البناء عليها لإنهاء الحرب.
الزيارة التي يجريها ماكرون إلى الصين تأتي في مرحلة شديدة الحساسية على الصعيد الدولي، مع تزايد حدة التوترات الاقتصادية والسياسية، ما يجعل من الملف الأوكراني أحد أبرز الاختبارات للعلاقات بين الشرق والغرب. وفي ظل تعقّد المشهد، يرى ماكرون أن الحفاظ على جبهة غربية موحدة، وزيادة الضغط على روسيا، والسعي إلى إشراك الصين بفعالية أكبر، كلها خطوات ضرورية لتقليل مخاطر استمرار الحرب وتداعياتها الواسعة.


