كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
شهدت جمهورية مالي في أكتوبر 2025 مرحلة مفصلية في صراع السلطة داخل المجلس العسكري الحاكم، بعد أن أدى حصار جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» لإمدادات الوقود إلى تصعيد التوترات الداخلية وتغير خريطة النفوذ داخل المؤسسة العسكرية.
بدأت الأزمة في الثاني من سبتمبر عندما شنت الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة هجمات مركّزة على شاحنات الوقود، مما أدى إلى **شل شبه كامل في توزيع الوقود وتعطّل الخدمات الأساسية في العاصمة باماكو والمناطق المحيطة. وكان لهذا الحصار آثار اقتصادية واجتماعية عميقة، إذ تسبب في طوابير طويلة أمام محطات الوقود وارتفاع الأسعار ونقص في الكهرباء والوقود اللازم للمستشفيات والنقل.
من منظور أمني وسياسي، مثل الحصار ورقة ضغط استراتيجية قادرة على اختبار صمود الحكومة العسكرية، لا سيما مع تراجع قدرة الجيش على حماية طرق الإمداد الحيوية. وقد انعكس هذا الضغط مباشرة في صراع القيادة داخل المجلس العسكري بين وزير الدفاع ساديو كامارا وقائد المجلس العسكري أسيمي غويتا حول إعادة هيكلة القيادة العسكرية.
شهدت الأزمة مطالبة كامارا بإقالة رئيس هيئة الأركان الفريق أول عمر ديارا، متهمًا القيادة العسكرية بالفشل في مواجهة الجماعات المسلحة، لكن غويتا رفض ذلك، مما أدى إلى توترات واسعة داخل صفوف الجيش. وفي نهاية المطاف، تم التوصل إلى تسوية تكتيكية في 22 أكتوبر تضمنت بقاء ديارا في منصبه، مع تعيين موالين لكامارا في مناصب قيادية استراتيجية لتعزيز الحماية حول إمدادات الوقود والمناطق الحيوية.
من بين أبرز هذه التعيينات كان إليزيه جان داو نائبًا لقائد الجيش، والجنرال فاموكي كامارا لقيادة عملية حماية القوافل ومرافقتها، ما منح وزير الدفاع مزيدًا من النفوذ داخل المؤسسة العسكرية.
وأضافت التطورات العسكرية إنشاء قواعد عسكرية جديدة بالقرب من مناطق تعدين الذهب وقرب الحدود مع دول الجوار، فضلاً عن تعزيز قدرات التغطية الجوية للقوافل العسكرية، في محاولة لكسر قبضة الحصار وتأمين خطوط الإمداد الحيوية.
وتُظهِر هذه الأزمة كيف يمكن لأزمة اقتصادية وأمنية في آنٍ واحد أن تُستخدم كأداة لإعادة توزيع النفوذ داخل المؤسسات، إذ استغل كامارا حصار الوقود لتحصين موقعه وتقوية حلفائه، بينما سعت القيادة التقليدية إلى الحفاظ على ولائها للمجلس بأكمله.
‑ حصار الوقود الذي فرضته جماعة مرتبطة بالقاعدة عرّى ضعف القيادة العسكرية السابقة وأبرز هشاشة السيطرة الحكومية على الإمداد الحيوي في مالي.
‑ الصراع بين وزير الدفاع وقائد المجلس العسكري أدى إلى تغييرات في القيادة العسكرية لتعزيز السيطرة على خطوط الإمداد.
‑ الأزمة سلطت الضوء على كيف يمكن للأزمات الأمنية والاقتصادية أن تعيد رسم موازين السلطة داخل مؤسسات الدولة.


