كتب : دينا كمال
الصين تستنسخ أغلى آلة رقائق في العالم.. هل تتراجع الهيمنة الأميركية؟
أظهرت تقارير حديثة أن الصين نجحت في بناء أول نموذج محلي لآلة طباعة حجرية تعمل بالأشعة فوق البنفسجية المتطرفة، وهي التقنية التي سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها لسنوات إلى منع بكين من الوصول إليها عبر قيود صارمة على التصدير.
داخل مختبر يخضع لإجراءات أمنية مشددة في مدينة شنتشن، تمكن فريق من العلماء والمهندسين الصينيين من تطوير نموذج أولي لآلة قادرة على إنتاج رقائق أشباه موصلات متقدمة، تُعد أساسية لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي والهواتف الذكية والأنظمة العسكرية المتطورة.
واعتمد المشروع، وفق مصادر مطلعة، على الهندسة العكسية، وهي عملية تحليل الأنظمة المعقدة لفهم مكوناتها وآلية عملها، ثم إعادة بنائها اعتمادًا على المعرفة المكتسبة، وهي تقنية تُستخدم في مجالات البرمجيات والأجهزة والعمليات الصناعية.
وبحسب المصادر، اكتمل بناء النموذج الأولي مطلع عام 2025، ويشغل مساحة تقارب طابقًا كاملًا من المنشأة، ويخضع حاليًا لمرحلة الاختبارات. وقد تولى تطويره مهندسون سبق لهم العمل لدى الشركة الهولندية العملاقة المتخصصة في تصنيع آلات الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية المتطرفة (EUV).
وتُعد هذه الآلات محور الصراع التكنولوجي العالمي، إذ تستخدم أشعة فائقة الدقة لنقش دوائر إلكترونية أصغر بآلاف المرات من سمك شعرة الإنسان على رقائق السيليكون، وكلما تقلص حجم هذه الدوائر ارتفعت كفاءة الرقائق وقدرتها الحاسوبية.
وأفاد مصدران بأن الجهاز الصيني قادر على توليد الأشعة المطلوبة بكفاءة، إلا أنه لم ينتج بعد رقائق صالحة للاستخدام التجاري.
وكان الرئيس التنفيذي للشركة الهولندية المصنّعة لهذه الآلات قد صرّح في وقت سابق بأن الصين ستحتاج إلى سنوات طويلة للحاق بهذه التكنولوجيا، غير أن ظهور هذا النموذج الأولي يشير إلى أن الفجوة قد تكون أقصر مما كان متوقعًا.
وتُعد آلات الطباعة الحجرية المتطرفة الأغلى في العالم، إذ يصل سعر الواحدة إلى نحو 250 مليون دولار، وتعتمد في تصنيعها على شبكة موردين دوليين، من أبرزهم شركات متخصصة في الأنظمة البصرية فائقة التعقيد.
قالت مصادر مطلعة إن توافر قطع غيار مستعملة من آلات قديمة في الأسواق الثانوية أتاح للصين تجميع نموذج أولي محلي، مع وضع هدف رسمي لإنتاج رقائق عاملة بحلول عام 2028، بينما يرجح خبراء أن يكون عام 2030 موعدًا أكثر واقعية.
ويأتي هذا المشروع في صدارة أولويات القيادة الصينية، التي أطلقت منذ سنوات مبادرة وطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع أشباه الموصلات، بمشاركة شركات محلية وحكومات إقليمية وجامعات ومعاهد بحثية.
ويُنظر إلى المشروع على أنه النسخة الصينية من “مشروع مانهاتن”، نظرًا لحجمه وسريته وأهميته الاستراتيجية، حيث تلعب شركات تكنولوجيا كبرى دورًا محوريًا في تنسيق الجهود بين آلاف المهندسين والباحثين.
وتُظهر التجربة الغربية مدى تعقيد هذه التكنولوجيا، إذ استغرق تطوير أول نموذج عملي من آلات EUV نحو عقدين من البحث والاستثمار بمليارات الدولارات، قبل الوصول إلى إنتاج تجاري واسع.
ومنذ عام 2018، كثفت الولايات المتحدة ضغوطها لمنع تصدير هذه الآلات إلى الصين، قبل أن تتوسع القيود لاحقًا لتشمل معدات أقدم، بهدف إبقاء بكين متأخرة جيلًا على الأقل في قدرات تصنيع الرقائق.
وأكدت الجهات المعنية أن هذه السياسات تهدف إلى حماية التكنولوجيا الحساسة ومنع انتقالها إلى أطراف تُعد منافسة استراتيجية.
وأشارت المصادر إلى أن المشروع اعتمد على استقطاب خبراء مخضرمين في مجال أشباه الموصلات، مع فرض إجراءات سرية مشددة شملت استخدام أسماء مستعارة وبطاقات تعريف غير حقيقية داخل المنشآت البحثية.
كما أوضحت أن فرق العمل معزولة عن بعضها البعض، ولا يُسمح إلا لعدد محدود من الأشخاص بمعرفة الصورة الكاملة للمشروع، حفاظًا على سريته.
دور الشركات الصينية الكبرى
في موازاة ذلك، تشارك شركات صينية كبرى في مختلف مراحل سلسلة التوريد، بدءًا من تصميم الرقائق والمعدات، وصولًا إلى التصنيع والدمج النهائي في المنتجات التجارية.
ويعمل العديد من المهندسين في ظروف مشددة داخل مواقع العمل، مع قيود على الحركة واستخدام الهواتف، خاصة في المهام الحساسة، وفق مصادر مطلعة.
ويرى مراقبون أن نجاح الصين في تطوير هذه التقنية، حتى وإن كان في مراحله الأولى، قد يُحدث تحولًا عميقًا في موازين القوى التكنولوجية العالمية، ويعيد رسم خريطة صناعة أشباه الموصلات خلال العقد المقبل.


