كتب : دينا كمال
هل يستطيع الذكاء الاصطناعي كشف أفكار الإنسان؟ العلم يوضح
شهدت تقنيات الربط بين الدماغ والأجهزة الإلكترونية تطوراً لافتاً خلال العقدين الماضيين، خصوصاً تلك التي تُستخدم لمساعدة ذوي الإعاقة على التحكم عن بُعد في الأطراف الصناعية، أو أجهزة الكمبيوتر المتخصصة، أو أدوات توليد الأصوات للأشخاص فاقدي القدرة على النطق.
وتُعرف هذه التكنولوجيا باسم واجهة الدماغ والحاسوب (Brain Computer Interface)، إذ تعمل من خلال جهاز خارجي أو شريحة دقيقة تُزرع فوق القشرة الحركية للمخ بهدف قراءة الإشارات العصبية وترجمتها إلى أوامر مباشرة تُفعِّل الأنظمة الإلكترونية المتصلة بها.
وأوضح باحثون أن نطاق عمل هذه التقنية قد يتجاوز حدود الاستخدام الطبي في بعض الحالات، بحيث يمكن أن تُظهر بعض الأفكار الداخلية لدى المستخدم دون إرادته. وذكر ريتشارد أندرسون، طبيب الأعصاب في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أن تثبيت هذه الأجهزة على الفص الجداري للمخ يسمح باستقبال إشارات واسعة من مناطق عدة في الدماغ، ما يوفّر كماً كبيراً من البيانات التي يمكن فك شفرتها.
ويرى متخصصون أن هذه القدرة المتزايدة على الوصول إلى النشاط الذهني للمستخدم تُثير مخاوف أخلاقية بشأن كيفية التعامل مع تلك البيانات، وخاصة عندما تُدمج مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تعزز قدرة الأجهزة الاستهلاكية على تحليل الإشارات العصبية بدقة أكبر.
كما حذّر خبراء من أن غياب تنظيم واضح قد يمكّن الشركات من جمع معلومات دقيقة وحساسة حول الاستجابات الداخلية للمستخدمين. وفي السياق ذاته، يرى توم أوكسلي، المدير التنفيذي لشركة “سينكرون” المتخصصة في واجهات الدماغ والحاسوب، أن هذه التكنولوجيا تمثل “مستقبل الطب العصبي”، متوقعاً توسع استخدامها في تشخيص الاضطرابات النفسية والعقلية من خلال الوصول إلى أجزاء أعمق من الدماغ.
وأكد أن الذكاء الاصطناعي سيواصل تحسين قدرات فك الشفرة العصبية، ما يجعل السؤال الأهم اليوم هو: كيف يمكن ضمان الأمان؟
وتعتمد أغلب الأجهزة الاستهلاكية الحالية الخاصة بقياس الإشارات الدماغية على تسجيل النشاط الكهربائي للمخ عبر أدوات بسيطة تظهر على شكل سماعات للرأس أو أساور أو خوذات مزودة بأقطاب كهربائية. ورغم أنها لا تستطيع قراءة الأفكار مباشرة، إلا أنها قادرة على تحديد مستوى الانتباه أو الإرهاق أو التوتر، وتستخدمها بعض الشركات لتحسين الأداء الذهني والرياضي أو تعزيز التأمل.
وأشار مارسيلو إينكا، خبير أخلاقيات العلوم العصبية في الجامعة التقنية بميونخ، إلى أن التطور المستقبلي للذكاء الاصطناعي قد يسمح بتحليل النشاط الذهني بدقة أعلى، منبهاً إلى أن دراسات سابقة كشفت قصوراً في حماية البيانات المسجلة عبر هذه الأجهزة، وأن الوضع لم يشهد تغيراً كبيراً حتى الآن.
وفي عام 2024، توصلت دراسة أجرتها منظمة “نيورو رايتس” الأميركية إلى أن معظم الشركات العاملة في تقنيات قياس الإشارات العصبية تمتلك سيطرة كاملة على بيانات المستخدمين، بما في ذلك حق بيعها لجهات أخرى.
ورغم سن قوانين جديدة في بعض الدول والولايات الأميركية لحماية هذه البيانات، إلا أن متخصصين يشيرون إلى أن تلك التشريعات ما زالت غير كافية، لأنها تركز على البيانات الخام دون الانتباه إلى التحليلات المتقدمة التي قد تكشف معلومات عقلية دقيقة يمكن أن تُستخدم للتمييز أو الابتزاز.
ويحذر إينكا من أن “اقتصاد البيانات” بات يُشكّل تهديداً مباشراً للخصوصية والحرية الذهنية، مؤكداً أن إتاحة البيانات العصبية للشركات قد يشبه إعطاء “دفعة هائلة” للاقتصاد الرقمي على حساب حقوق الأفراد.


