كتب : حسيبة صالح /سوريا
في زمن تتسارع فيه الأخبار كأنها أنفاس متقطعة، يقف جيل الشباب على مفترق طرق بين شاشتين: شاشة التلفاز التي حملت لعقود صوت المذيع الرسمي، وشاشة الهاتف التي صارت نافذة يومية على العالم. هذا الجيل لم يعد متلقياً صامتاً، بل صار صانعاً ومشاركاً، يختار ما يشاهد، ويعلّق، ويشارك، ويصوغ روايته الخاصة.
الإعلام التقليدي: صوت الماضي الحاضر
• التلفزيون والصحف ما زالت تحمل ثقل المصداقية والمرجعية.
• لكنها بالنسبة للشباب تبدو أحياناً بطيئة، مقيدة، لا تواكب سرعة اللحظة.
• كثير من الشباب يتعامل معها كأرشيف أو مصدر للتحقق، أكثر من كونها وسيلة يومية للتأثير.

الإعلام الجديد: منصات بلا حدود
• منصات التواصل الاجتماعي منحت الشباب حرية التعبير بلا قيود.
• هنا، الخبر ليس مجرد معلومة، بل تجربة جماعية تُصاغ بالتعليقات والوسوم.
• لكن هذه الحرية تحمل أيضاً مخاطر التضليل، والسطحية، والبحث عن الشهرة السريعة.
بين الشاشتين: هوية تبحث عن توازن
جيل الشباب اليوم لا يرفض الإعلام التقليدي ولا يذوب كلياً في الإعلام الجديد. هو جيل يختبر، يوازن، ويبحث عن مساحة تعكس صوته وتمنحه الثقة. التحدي الأكبر أمامه هو أن يحافظ على وعي نقدي، فلا يبتلع كل ما يُعرض أمامه، ولا يرفض كل ما يأتي من الماضي
مبادرات شبابية في سوريا: الإعلام كمساحة للوعي
في سوريا، لم يكتفِ الشباب بمتابعة الإعلام الجديد، بل استخدموه كأداة للتعبئة والتنظيم، وأحياناً كنافذة للأمل وسط التحديات:
• مبادرة “سوريا في عيوننا”: أطلقها شباب بالتعاون مع وزارة الإعلام لتقديم صورة حضارية عن البلد بعيداً عن صور الحرب، عبر التصوير الفوتوغرافي والفيديو والرسم.
• مبادرة “بريق”: مساحة ثقافية وتعليمية أسسها شباب لدعم أقرانهم في مجالات البرمجة والتنمية البشرية والفنون، لتكون بديلاً عن الفراغ الذي خلّفته سنوات الحرب.
• فرق تطوعية مثل “عمّرها” و”أثرنا”: نظّمت حملات تنظيف ورسم جداريات في دمشق وحمص وحماة، مستخدمة منصات التواصل الاجتماعي للحشد والتعبئة.
• حملات مجتمعية ميدانية: من إعادة تأهيل الحدائق إلى تنظيم المرور، كلها انطلقت من منشورات على فيسبوك وإنستغرام، ما يبرز دور الإعلام الجديد في تحويل الفكرة إلى فعل جماعي.
هذه المبادرات تؤكد أن الإعلام الجديد لم يكن مجرد وسيلة للترفيه، بل صار أداة للتأثير الاجتماعي والثقافي، ووسيلة للشباب السوري ليكتبوا روايتهم الخاصة عن بلدهم.

بين التلفاز والهاتف، بين الورق والشاشة، يقف الشباب السوري ليكتب قصته الإعلامية الخاصة. قصة لا تنحاز إلى طرف واحد، بل تبحث عن الحقيقة وسط الضجيج، وعن المعنى وسط التدفق. وربما يكون هذا الجيل هو الأقدر على إعادة تعريف الإعلام، لا كمجرّد وسيلة، بل كمساحة للحرية والوعي والمسؤولية، حيث تتحول المبادرات الصغيرة إلى صوت جماعي يضيء الطريق.


