كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
؟
مع أن موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية لا يزال بعيدًا نسبيًا، إلا أن المشهد السياسي في فرنسا بدأ يشهد حراكًا مبكرًا، تقوده استطلاعات رأي تمنح زعيم اليمين المتطرف جوردان بارديلا موقع الصدارة في سباق الوصول إلى قصر الإليزيه عام 2027. هذا التقدم اللافت أعاد إلى الواجهة سؤالًا محوريًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية: من يستطيع فعليًا هزيمة بارديلا ومنع اليمين المتطرف من الوصول إلى الحكم؟
بارديلا، الذي يقود حزب التجمع الوطني، استطاع خلال الفترة الماضية أن يعزز حضوره السياسي والشعبي، مستفيدًا من حالة السخط لدى قطاعات واسعة من الفرنسيين تجاه الأوضاع الاقتصادية وملفات الهجرة والأمن، إضافة إلى تراجع ثقة الناخبين في الأحزاب التقليدية. شخصيته الشابة وخطابه المباشر ساهما في توسيع قاعدته الانتخابية، لا سيما بين فئة الشباب والطبقات المتوسطة المتضررة من ارتفاع تكاليف المعيشة.
استطلاعات الرأي المبكرة تشير إلى أن بارديلا قد يتصدر الجولة الأولى من الانتخابات بفارق مريح عن أقرب منافسيه، كما تُظهر بعض السيناريوهات تقدمه في جولة الإعادة أمام عدد من الأسماء البارزة في معسكر الوسط واليسار. هذا التقدم لا يعني حسم السباق، لكنه يعكس خللًا واضحًا في موازين القوى الحالية داخل الساحة السياسية الفرنسية.
في المقابل، يعاني معسكر الوسط من حالة تشتت واضحة مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي لا يحق له الترشح مجددًا. ورغم تداول أسماء عدة لخلافته، مثل شخصيات شغلت مناصب حكومية رفيعة خلال السنوات الماضية، فإن أيا منها لم ينجح حتى الآن في فرض نفسه كمرشح توافقي قادر على توحيد الأصوات المناهضة لليمين المتطرف. هذا الفراغ القيادي يمنح بارديلا مساحة أكبر لتعزيز موقعه وتقديم نفسه كبديل “جاهز للحكم”.
أما اليسار الفرنسي، فيواجه تحديات أكثر تعقيدًا، أبرزها الانقسامات الداخلية واختلاف الرؤى بين مكوناته. ورغم امتلاكه قاعدة انتخابية لا يُستهان بها، فإن غياب برنامج موحد ومرشح جامع يقلل من فرصه في الوصول إلى الجولة الثانية، ناهيك عن الفوز في جولة الإعادة. وفي حال استمرت هذه الانقسامات، قد يجد اليسار نفسه مرة أخرى خارج المعادلة الحاسمة.
مع ذلك، لا تخلو الطريق أمام بارديلا من العقبات. فالتجربة التاريخية للانتخابات الرئاسية في فرنسا أظهرت أن مرشحي اليمين المتطرف غالبًا ما يواجهون جدارًا صلبًا من التحالفات الواسعة في الجولة الثانية، حيث تتكتل قوى الوسط واليسار وحتى جزء من اليمين التقليدي لمنعهم من الوصول إلى السلطة. هذا السيناريو يظل واردًا بقوة في 2027، خاصة إذا نجحت القوى المنافسة في تجاوز خلافاتها وتقديم مرشح واحد يحظى بدعم واسع.
كما أن عامل الوقت يلعب دورًا حاسمًا، فالمزاج العام للناخبين قد يتغير بفعل أزمات داخلية أو تطورات خارجية غير متوقعة، وقد تؤدي أي هفوة سياسية أو إعلامية إلى تراجع شعبية المرشح المتصدر. إضافة إلى ذلك، فإن خوض بارديلا للسباق الرئاسي سيضعه تحت مجهر التدقيق، سواء فيما يتعلق ببرنامجه الاقتصادي أو مواقفه من الاتحاد الأوروبي والعلاقات الدولية، وهي ملفات قد تثير قلق شريحة من الناخبين المعتدلين.
في المحصلة، يبدو أن جوردان بارديلا يدخل سباق رئاسيات 2027 متقدمًا على منافسيه، لكن هذا التقدم لا يرقى إلى ضمان الفوز. مستقبل السباق سيُحسم بمدى قدرة خصومه على توحيد صفوفهم، وتقديم مشروع سياسي مقنع، واستعادة ثقة الشارع الفرنسي. وحتى ذلك الحين، ستبقى الانتخابات المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات، في انتظار ما ستكشفه السنوات القليلة القادمة من تحولات ومفاجآت.


