كتب : دينا كمال
الصين تتدخل لاحتواء حرب أسعار السيارات في أكبر سوق عالمي
تشهد الصين واحدة من أعنف حروب أسعار السيارات في تاريخها الحديث، في مواجهة محتدمة بين أكثر من 100 علامة تجارية، حيث تلجأ شركات كبرى إلى بيع مركباتها بخسائر مباشرة سعياً لاقتناص حصة سوقية أكبر، وسط ضعف الطلب وتراجع الدعم الحكومي.
لكن هذه المرة، لم تلتزم بكين الصمت.
رسالة حكومية حاسمة: لا بيع بالخسارة
في تحرك غير مسبوق، أطلقت الحكومة الصينية حملة مضادة لوقف حرب الأسعار، موجهة رسالة واضحة إلى جميع المصنعين دون استثناء، تؤكد منع البيع بأقل من تكلفة الإنتاج، ورفض الخصومات التي تدفع إلى الخسارة، والتحذير من سباق سعري يهدد استدامة صناعة السيارات.
وجاء هذا التدخل بهدف حماية الصناعة من مخاطر الانهيار الذاتي، وليس فقط دعم الشركات.
أسباب اشتعال المنافسة السعرية
ورغم كون الصين أكبر سوق سيارات في العالم، فإن عدة عوامل ساهمت في تفجير المنافسة السعرية، أبرزها فائض الطاقة الإنتاجية مقارنة بالطلب الفعلي، وتباطؤ نمو الطلب المحلي عن التوقعات، وتراجع الدعم الحكومي، إضافة إلى دخول عدد كبير من العلامات الجديدة، لا سيما في قطاع السيارات الكهربائية.
وأفرز هذا الوضع مفارقة لافتة، حيث ارتفعت المبيعات لدى بعض الشركات مقابل اتساع حجم الخسائر.
“BYD” نموذجاً للضغوط
حتى الشركات الكبرى لم تكن بمنأى عن تداعيات الأزمة، إذ أظهرت بيانات السوق تراجع أسعار سيارات “BYD” بنحو 7% خلال أكتوبر مقارنة ببداية العام، في محاولة للحفاظ على مستويات المبيعات وسط منافسة شرسة.
غير أن التخفيضات المتكررة كشفت محدودية نموذج النمو القائم على خفض الأسعار وحده.
ووُصفت هذه الظاهرة بمفهوم اقتصادي صيني يُعرف بـ”الانغماس التنافسي العقيم”، أي منافسة حادة بلا أرباح، وتوسع بلا ابتكار حقيقي، ما دفع السلطات إلى التدخل قبل تحول الأزمة إلى نزيف طويل الأمد.
تأثيرات فورية في الأسواق
وعقب القرارات الحكومية، سجلت أسهم عدد من شركات السيارات تراجعات ملحوظة، من بينها “BYD” و”NIO” و”Xiaomi Auto”، في إشارة إلى مخاوف المستثمرين من تشديد الرقابة وتقييد سياسات التسعير.
وامتد التدخل الرسمي ليشمل فرض قيود على تصدير السيارات، ومنع التحايل عبر ما يُعرف بسيارات “صفر كيلومتر” المستخدمة لتجاوز القيود السعرية، إلى جانب إنشاء آليات رقابية لمتابعة التسعير والمخاطر.
وتهدف هذه الخطوات إلى حماية سمعة السيارات الصينية عالمياً، ومنع تصدير أزمة الأسعار إلى الأسواق الخارجية.
منطق السوق يتغير
في المشهد الحالي، لم يعد خفض الأسعار معيار التفوق في السوق الصينية، بل أصبحت الاستدامة والانضباط والقدرة على الابتكار عناصر الحسم.
ورغم أن حرب الأسعار قد ترفع المبيعات مؤقتاً، فإنها تهدد مستقبل الصناعة ككل، وهو ما دفع بكين إلى التدخل لوضع حد للسباق قبل فوات الأوان.


