كتب : دينا كمال
وهم القرب من الحكم.. قصة “أمير سعودي مزيف” خدع سياسيين في لبنان
أثار شخص ادّعى انتماءه إلى العائلة المالكة السعودية جدلًا واسعًا في لبنان، بعد أن تمكن من الاحتيال على عدد من السياسيين، مستغلًا مزاعم النفوذ والقرب من دوائر القرار في المملكة.
وتفيد المعطيات بأن الشيخ خلدون عريمط لعب دورًا محوريًا في الترويج لهذا الشخص، مقدّمًا إياه على أنه قادر على التأثير في المشهد السياسي اللبناني مقابل مكاسب مادية، ما دفع عددًا من النواب والشخصيات السياسية إلى تصديق وعود تتعلق بمناصب وزارية ونيابية.
وبحسب الروايات، استغل عريمط مرحلة الفتور في العلاقات الرسمية بين الرياض وبيروت آنذاك، إضافة إلى محدودية التواصل المباشر، ليزور شخصيات سياسية ويؤكد لها وجود رضا سعودي عنها، عارضًا تسهيل تواصلها مع مسؤولين سعوديين مزعومين.
وعند إبداء أي موافقة، كان يُجري اتصالًا هاتفيًا مع شخص يُعرّف نفسه باسم “الأمير السعودي أبو عمر”، ويقدمه على أنه مقرّب من الديوان الملكي وقادر على تحقيق طموحات سياسية. إلا أن التحقيقات كشفت لاحقًا أن “أبو عمر” هو لبناني من عكار يُدعى مصطفى الحسيان، يعمل في حدادة السيارات، ويتقن التحدث باللهجة الخليجية.
وتمكن الحسيان من بناء شبكة نفوذ داخل الأوساط السياسية، حيث كان يطلب من المتواصلين معه تقديم الدعم لعريمط، ما أدى إلى تدفق أموال وهدايا عليه، إضافة إلى حصوله على رواتب شهرية وامتيازات مختلفة.
وامتد تأثير هذه الشبكة إلى الانتخابات النيابية والبلدية، عبر دفع مرشحين إلى الانسحاب أو دعم آخرين مقابل وعود بدعم سعودي، وشمل ذلك شخصيات من طوائف متعددة، رغم تركيز النشاط بشكل أساسي على البيئة السنية.
وساهم في استمرار الخدعة اشتراط بقاء الاتصالات بعيدة عن أي قنوات رسمية أو إعلامية، لا سيما السفارة السعودية، بذريعة حساسية المرحلة.
ومع استئناف الحضور الدبلوماسي السعودي في لبنان، بدأت ملامح الأزمة تظهر، حيث حذّر “أبو عمر” المتواصلين معه من الاتصال بالدبلوماسيين السعوديين، مدعيًا أن مهمته تتجاوز القنوات التقليدية.
لكن الشكوك تصاعدت لاحقًا، خاصة مع غياب ظهوره في أي مناسبات رسمية سعودية، إلى أن انكشفت القضية عقب تواصل إحدى الشخصيات اللبنانية مع موفد سعودي وسؤاله عن “أبو عمر”، ما دفع إلى فتح تحقيق مشترك.
وأُلقي القبض على مصطفى الحسيان عند الحدود اللبنانية، حيث أقر خلال التحقيق بأنه كان يتحرك بتوجيه من خلدون عريمط. في المقابل، نفى عريمط في بيان رسمي أي تورط، مؤكدًا تقدمه بإخبار قضائي ضد من ينشرون “أخبارًا كاذبة”، ومشيرًا إلى أنه موجود في لبنان ولم يُستدعَ للتحقيق.
وأثارت القضية تساؤلات واسعة حول كيفية استمرار هذه الخدعة لسنوات دون كشفها، واحتمال وجود قنوات غير معلنة، رغم نفي مصادر سعودية رسمية أي صلة لها بالموضوع. كما عبّر أهالي وادي خالد، مسقط رأس الحسيان، عن صدمتهم، نظرًا لعدم ظهور أي مؤشرات ثراء عليه، ما فتح باب التساؤل حول الجهة التي استفادت فعليًا من الأموال التي جُمعت.


