كتب : دينا كمال
خبراء مصريون: أوروبا تواجه أخطر أزمة اقتصادية في تاريخها
علّق خبراء اقتصاديون مصريون على توقعات رئيس الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة كيريل دميترييف بشأن احتمال انهيار الاتحاد الأوروبي، وذلك عقب خفض التصنيف الائتماني لشركة المقاصة البلجيكية “يوروكلير”.
وجاء قرار وكالة التصنيف الائتماني بوضع “يوروكلير” تحت المراقبة مع نظرة مستقبلية سلبية، على خلفية الخطط الأوروبية لاستخدام الأصول الروسية المجمدة في تمويل قروض موجهة لأوكرانيا، معتبرة أن هذه الخطوة ترفع مستوى المخاطر القانونية والتشغيلية على الشركة، وقد تفضي لاحقًا إلى خفض تصنيفها الائتماني فعليًا.
وقالت الدكتورة وفاء علي، أستاذة الاقتصاد والطاقة، إن مآلات المشهد الاقتصادي الأوروبي تعكس ثمنًا مباشرًا لانخراط القارة في سياسات تقودها الولايات المتحدة ضمن حروب الوكالة، مشيرة إلى أن دعم أوروبا غير المشروط لأوكرانيا يضع اقتصادها في دائرة الخطر، بينما تراقب واشنطن التداعيات من موقع أكثر أمانًا.
وأوضحت أن الأسواق الأوروبية تشهد اضطرابًا مستمرًا منذ اندلاع الحرب، ما تسبب في ارتباك هيكلي داخل الاقتصاد الأوروبي، مؤكدة أن تداعيات الأزمة باتت تهدد مستقبل حلف شمال الأطلسي نفسه.
وأضافت أن الأزمة الحالية لا ترتبط فقط بالحرب الروسية-الأوكرانية، بل تمتد إلى سياسات الرسوم التجارية الأميركية التي أدخلت الاقتصادات الأوروبية في مسار بالغ التعقيد.
وأشارت إلى أن أوروبا تمر بما وصفته بـ”أكبر ورطة اقتصادية في تاريخها الحديث”، في ظل تفاقم عجز الموازنات وارتفاع الدين العام وتزايد كلفة الفوائد، ما خلق حلقة مفرغة من الضغوط المالية. ولفتت إلى أن تسريبات موازنات بعض الدول، وتباطؤ الاقتصادين الألماني والفرنسي، إلى جانب انسحاب الاستثمارات، تعكس تراجع الثقة في الأسواق الأوروبية.
وبيّنت أن الأسواق المالية بدأت إعادة تسعير المخاطر، مع تراجع البورصات وتجميد المشروعات الكبرى، وامتداد الأزمة إلى قلب القطاع الصناعي الأوروبي.
وأكدت أن أحد أبرز ملامح الأزمة يتمثل في تصاعد الإنفاق الدفاعي، الذي انعكس عبئًا مباشرًا على المستهلك الأوروبي، ما يهدد النموذج الاقتصادي للقارة، مشيرة إلى إغلاق مصانع كبرى في ألمانيا بوصفه مؤشرًا واضحًا على عمق التراجع.
وأضافت أن أعمدة الاقتصاد الأوروبي باتت مهتزة، مع فقدان مئات الآلاف من الوظائف، وتزايد هجرة العمالة، وظهور ما وصفته بـ”الألم الاقتصادي الصامت” الناتج عن تراجع الحضور الأوروبي في الاقتصاد العالمي، في ظل استمرار التضخم وتباطؤ النمو.
وفيما يخص فرنسا، أوضحت أن الدين العام تجاوز 3.3 تريليون يورو، وأن كلفة فوائد الدين وحدها بلغت نحو 67 مليار يورو، مؤكدة أن سياسات التقشف لم تحقق النتائج المرجوة، مع توقع نمو ضعيف خلال عام 2025.
وأضافت أن مؤشرات الركود باتت أكثر وضوحًا، في ظل تباطؤ الإنتاج وتراجع التنافسية وارتفاع تكاليف الطاقة، إلى جانب تصاعد الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
واعتبرت الدكتورة وفاء علي أن ما يجري يمثل فتحًا واسعًا للأسواق الأوروبية أمام المنتجات الصينية، ما أدى إلى تآكل القوة الشرائية وتراجع الدور الصناعي للقارة، داعية إلى مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية والانفكاك عن الارتباط الكامل بالسياسات الأميركية.
من جانبه، قال الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي، إن التوسع غير المسبوق للسلع الصينية في الأسواق العالمية يشكل ضغطًا كبيرًا على السوق الأوروبية، واصفًا الوضع بأنه أزمة عالمية تهدد بنية الصناعة الدولية وقواعد المنافسة العادلة.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي يعاني مشكلات هيكلية عميقة، فرغم استقرار نسبي في السياسة النقدية، فإن السياسة المالية تعيش مأزقًا حقيقيًا، مشيرًا إلى أن ألمانيا لم تحقق نموًا اقتصاديًا ملموسًا منذ خمس سنوات.
وأضاف أن الاقتصاد الألماني يواجه تحديات مزدوجة في التصدير إلى كل من الولايات المتحدة والصين، خصوصًا في قطاعي السيارات والماكينات، في ظل توجه بكين نحو الاكتفاء الذاتي.
واختتم أنيس بالتأكيد على أن استمرار الخلل في الميزان التجاري مع الصين لا يهدد الاقتصاد الأوروبي فحسب، بل يهدد أسس النظام الاقتصادي العالمي، مطالبًا بتحرك دولي عاجل لحماية الصناعات الوطنية وضمان عدالة التبادل التجاري.


