كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
في واحدة من أكثر القصص الغريبة والأقل شهرة في تاريخ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين – ومع ذلك ذات تبعات بيئية وأمنية ممتدة حتى اليوم – تظهر تفاصيل مهمة تجسس أمريكية فاشلة فوق جبال الهيمالايا عام 1965، حيث فقدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) جهازًا نوويًا يحتوي على كميات كبيرة من البلوتونيوم وظل مفقودًا لعقود، مما أثار قلق الخبراء والسلطات في الهند وحتى في وادي نهر الغانج الحيوي.
العملية السرية: هدفها الصين في ذروة الحرب الباردة
في أكتوبر 1965، في ذروة التوترات بين القوى العظمى، عزمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) بالتعاون مع مكتب الاستخبارات الهندي (IB) على تنفيذ عملية سرية فوق جبل ناندا ديفي – ثاني أعلى قمة في الهند ضمن سلسلة الهيمالايا – لتركيب جهاز تجسس متقدّم قادر على مراقبة برنامج الصين النووي وبرامجها الصاروخية.
الجهاز كان يتكون من مولد طاقة نووي يسمى SNAP-19C يعمل بنظير البلوتونيوم المشع، ومزوّد بهوائيات وأجهزة استقبال لنقل إشارات التجسس إلى المحطات الأمريكية. كان الهدف أن يوفر هذا الجهاز قدرة مراقبة لاسلكية على النشاط النووي الصيني عبر الحدود العالية الارتفاع.
العاصفة التي قلبت كل شيء… وخسارة الجهاز
عندما اقترب فريق من المتسلقين الأمريكيين والهنود من الموقع المزمع لتركيب الجهاز على ارتفاع يزيد عن 25,600 قدمًا، ضربت العاصفة المنطقة بشكل مفاجئ وعنيف، ما جعل الظروف غير صالحة للاستمرار. قرر قائد الفريق النقيب إم. إس. كوهلي ترك الجهاز مؤمنًا في المعسكر الرابع أعلى الجبل، ثم الانسحاب للحفاظ على حياة الفريق.
في ربيع 1966، أثناء محاولة العودة لاستكمال المهمة أو استعادة الجهاز، وجد الفريق أن المكان ذاته قد تغير تمامًا؛ فقد يبدو أن انهيارًا ثلجيًا أو حركة جليدية قد حملت الجهاز معه أو دفنته في عمق الثلج. لم يُعثر على الجهاز ولا على مكوناته النووية حتى اليوم، رغم محاولات بحث متعددة استخدمت أجهزة كشف الإشعاع وتقنيات استشعار مختلفة.
سلاح بلا متفجرات… لكنه خطر بيئي محير
من المهم توضيح أن الجهاز لم يكن قنبلة نووية قابلة للانفجار، بل مولدًا نوويًا صغيرًا مزودًا بوقودٍ من البلوتونيوم يستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية. ومع ذلك، فإن البلوتونيوم عبارة عن مادة شديدة الإشعاع والسمية، مع نصف عمر طويل جدًا قد يصل لعشرات السنين، وقد تكون تداعيات وجوده داخل الأنهار الجليدية فوق منابع نهر الغانج البيئية خطيرة جدًّا على البشر والأنظمة البيئية في الهند وبنجلاديش.
المادة في هذه الأجهزة عادة تكون من نظير البلوتونيوم-238 وبلوتونيوم-239، حيث يُستخدم الأخير في الأسلحة الذرية مثل تلك المستخدمة في قنبلة ناجازاكي، بينما يستخدم الأول في المولدات الحرارية الراديوية للمعدات التي تعمل في الفضاء أو بيئات معزولة.
تغطية سرية وعقود من الصمت
بعد هذه الحادثة، استمرت الحكومات المعنية بفترة طويلة في إبقاء تفاصيل العملية وطبيعتها سرية، لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية والحساسية النووية. ظهرت تفاصيل أوسع عن القصة بعد كشف تحقيقات صحفية، من بينها تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز، وأوضحت أن الولايات المتحدة تواصل رفضها الإفصاح الكامل عن مصير الجهاز الذي فقد منذ 1965.
كما أثارت القصة مخاوف في الأوساط المحلية في الهند بسبب قرب الجهاز المفقود من الأنهار الجليدية التي تغذي نهر الغانج، وهو مورد حيوي لمئات الملايين من الناس. يُعتقد أن الجهاز المدفون تحت الجليد قد يكون سببًا محتملاً لمشكلات بيئية أو صحية مستقبلية إذا تسربت المواد المشعة منه.
نظريات ومسارات بحث مستقبلية
حتى اليوم، ما يزال موقع الجهاز غير معروف على وجه الدقة. بعض الخبراء يعتقدون أن حرارة الجهاز ربما جعلت الجليد يذيب حوله، ما تسبب في دفنه أعمق داخل الكتل الجليدية، بينما يرى آخرون أنه ربما انزلق مع كتلة جليدية كاملة إلى وادي نهر قريب تحت تأثير الطقس القاسي.
وفي السنوات الأخيرة، أعاد ذلك اللغز إلى الواجهة مع تحركات سياسية في الهند تطالب بإعادة تقييم المخاطر المحتملة وإمكانية إطلاق مهمات بحث واستكشاف جديدة لمعرفة ما إذا كان الجهاز وما يحتويه من بلوتونيوم قد بدأ في التسرب إلى البيئة.
في عام 1965، فقدت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جهازًا نوويًا يحتوي على مادة البلوتونيوم فوق هيمالايا ناندا ديفي في محاولة سرية للتجسس على الصين.
الجهاز لم يكن سلاحًا نوويًا متفجرًا، لكنه يحتوي على مادة مشعة يمكن أن تكون خطرة إذا تسربت إلى البيئة.
رغم عمليات بحث متعددة في الستينيات، لا يزال الموقع الدقيق للجهاز مجهولًا ويُعتقد أنه مدفون تحت الجليد.
المخاوف الأمنية والبيئية حول تأثيرات البلوتونيوم على مياه الأنهار الجليدية ما زالت قائمة حتى اليوم.


