كتب : دينا كمال
تجربة شركة بلا موظفين تثبت أن الذكاء الاصطناعي لا يستغني عن الإنسان
تبدو فكرة الشركة التي تُدار دون موظفين بشريين، مع الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي، وكأنها أحد ملامح مستقبل سوق العمل، إلا أن تجربة عملية حديثة كشفت عن واقع أكثر تعقيدًا مما يروّج له في الأوساط التقنية.
وأقدم الصحفي الأميركي إيفان راتليف على اختبار هذا المفهوم من خلال تأسيس شركة ناشئة حملت اسم HurumoAI، اعتمدت كليًا على وكلاء ذكاء اصطناعي لأداء مختلف المهام، مع استثناء دور المؤسس.
ومن خلال منصات المساعدات الذكية، زوّد راتليف كل وكيل افتراضي ببريد إلكتروني مستقل، وحساب على تطبيق «سلاك»، وحتى رقم هاتف، في محاولة لمحاكاة بيئة عمل حقيقية.
وفي المراحل الأولى، بدت النتائج مشجعة، إذ نجح «الموظفون» الافتراضيون في كتابة أكواد برمجية، وإنشاء جداول بيانات، والمساهمة في تطوير تطبيق صغير استقطب آلاف المستخدمين في بداياته.
غير أن المشكلات سرعان ما بدأت بالظهور مع مرور الوقت، حيث لاحظ المؤسس أن وكلاء الذكاء الاصطناعي يفتقرون إلى أبسط قواعد الانضباط والمنطق البشري.
وكانت أسئلة جانبية بسيطة، مثل الاستفسار عن عطلة نهاية الأسبوع، كافية لإطلاق سيل متواصل من الرسائل عبر «سلاك» لساعات طويلة، ما أدى إلى استنزاف موارد الواجهات البرمجية قبل التدخل اليدوي لإيقاف النشاط.
وحتى عند محاولة التدخل، واجه راتليف صعوبة في السيطرة، إذ واصلت بعض الوكلاء الرد أو شرح أسباب توقفها عن العمل، متجاهلة أوامر الإيقاف المباشر.
ولم تقتصر المشكلات على هذه الحالات، إذ أظهرت التجربة أن ترك الوكلاء دون إشراف يؤدي إما إلى خمول تام أو إلى نشاط مفرط بلا إنتاجية، من خلال تبادل الرسائل والدعوات دون تحقيق نتائج ملموسة.
وأصبحت إدارة الشركة تحديًا بحد ذاتها، حيث إن قلة التعليمات تعني توقف العمل، في حين تؤدي الحرية الزائدة إلى الفوضى.
ورغم الطموح بإدارة شركة تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي، لم تتمكن HurumoAI من الاستمرار دون تدخل بشري مباشر.
واضطر راتليف إلى الاستعانة بطالب دكتوراه في علوم الحاسوب من جامعة ستانفورد، للمساعدة في بناء البنية التقنية وإدارة أنظمة الذاكرة، وهي مهام عجز الذكاء الاصطناعي عن التعامل معها بمفرده.
وحتى مع فرض هذه الضوابط، واجهت الوكلاء صعوبات واضحة في التخطيط طويل الأمد، واتخاذ القرارات الذاتية، وتقديم تقارير دقيقة حول ما أنجزته فعليًا.
وشبّه راتليف واقع وكلاء الذكاء الاصطناعي الحالي بتقنيات القيادة الذاتية في مراحلها الأولى، إذ تظل مفيدة في سيناريوهات محددة لكنها بعيدة عن الاستقلال الكامل.
وخلصت التجربة إلى أن الذكاء الاصطناعي قادر على تسريع وتيرة العمل وتعزيز الإنتاجية، لكنه لا يستطيع حتى الآن إلغاء الدور المحوري للإنسان في الإدارة واتخاذ القرار، مع احتمال تغيّر هذا الواقع مستقبلاً، وإن كان الطريق لا يزال أطول مما يتوقعه المتحمسون.


