كتب : دينا كمال
أداة ذكاء اصطناعي تكشف آليات نمو وانتشار السرطان
نجح فريق من الباحثين في تطوير إطار عمل متقدم مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يحمل اسم OncoMark، يقدّم مقاربة جديدة لفهم السرطان من الداخل، عبر تحليل العمليات الجزيئية العميقة التي تمكّن الخلايا السرطانية من النمو والبقاء والانتشار.
وتمثل الدراسة، المنشورة في مجلة Communications Biology، خطوة مهمة نحو علاج أكثر دقة وتخصيصًا لمرضى السرطان، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على حجم الورم أو موقعه فقط.
لماذا لا يكفي قياس حجم الورم؟
يعتمد التشخيص السريري التقليدي للسرطان على مجموعة من المؤشرات الظاهرة، أبرزها حجم الورم، وموقعه، ومدى انتشاره داخل الجسم.
ورغم أهمية هذه المعايير، فإنها لا تكشف ما يحدث داخل الخلايا على المستوى الجزيئي، وهو العامل الحاسم في تحديد سلوك السرطان، ودرجة شراسته، وقدرته على مقاومة العلاجات المختلفة.
وهنا تبرز أهمية OncoMark، الذي يتجاوز المظهر الخارجي للورم ليحلل الآليات البيولوجية الخفية التي تحوّل الخلية السليمة إلى خلية سرطانية.
السمات المميزة للسرطان.. جوهر المرض
يشير الباحثون إلى ما يُعرف بـ”السمات المميزة للسرطان”، وهي الخصائص البيولوجية الأساسية التي تم تحديدها علميًا، وتشمل:
النمو الخلوي غير المنضبط
تفادي الموت الخلوي المبرمج
غزو الأنسجة المجاورة
التهرب من الجهاز المناعي
مقاومة العلاجات الطبية
وبينما تم تحديد ست سمات رئيسية في البداية، كشفت الأبحاث اللاحقة عن عشر سمات تمثل جوهر السلوك السرطاني.
وتحدث هذه التغيرات الجزيئية قبل وقت طويل من ظهور الورم في الفحوصات الإشعاعية، ما يجعل اكتشافها المبكر بالغ الأهمية.
كيف يعمل OncoMark؟
يعتمد إطار العمل OncoMark على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الجينية، حيث:
جرى تدريب النموذج على بيانات مأخوذة من 3.1 مليون خلية سرطانية
شملت البيانات 14 نوعًا مختلفًا من السرطان
حلّل النظام تفاعل السمات السرطانية معًا لدعم نمو الورم ومقاومته للعلاج
وخلال مراحل الاختبار، تم تقييم النموذج على خمس مجموعات بيانات مستقلة، محققًا:
دقة لا تقل عن 96%
قدرة عالية على التنبؤ بشراسة الورم
تقدير احتمالات الانتشار ومقاومة العلاج
كما يُنشئ OncoMark ملفًا جزيئيًا تفصيليًا للورم يحدد مستوى نشاط كل سمة سرطانية.
نحو علاج أكثر تخصيصًا لمرضى السرطان
يمثل OncoMark نقلة نوعية في مفهوم العلاج، إذ يسمح للأطباء بالانتقال من الملاحظة الشكلية للورم إلى الاعتماد على البصمة الجزيئية الفعلية للسرطان.
ويتيح هذا النهج تصميم خطة علاجية مناسبة لكل مريض على حدة، بما يسهم في:
تحسين نتائج العلاج
تقليل التعرض لعلاجات غير ضرورية
اختيار الخيارات العلاجية الأكثر فاعلية منذ البداية
وهو ما ينسجم مع التوجه العالمي نحو الطب الدقيق (Precision Medicine).
الخطوات المقبلة للتقنية
يخطط فريق البحث إلى دمج OncoMark في الممارسة السريرية اليومية، بما يمكّن أطباء الأورام من استخدامه مباشرة في تقييم المرضى.
كما يعمل الباحثون على توسيع نطاق استخدامه ليشمل سرطانات الدم، والأنواع النادرة، والحالات التي تختلف عن الأورام الصلبة التقليدية.
ورغم أن التقنية لا تزال في مرحلة التطوير، فإنها تمثل خطوة مفصلية نحو مستقبل يعتمد فيه علاج السرطان على فهم استراتيجياته الجزيئية، وليس فقط على مظهره الخارجي.
مستقبل علاج السرطان
مع استمرار تطوير أدوات مثل OncoMark، يتجه الطب الحديث نحو عصر أكثر دقة وتخصيصًا، وأقل عشوائية في اختيار العلاجات.
وقد تمهد هذه التقنيات الطريق لجيل جديد من علاجات السرطان التي تستهدف نقاط ضعف الورم الحقيقية، بما يمنح المرضى فرصًا أفضل للعلاج وجودة حياة أعلى.


