كتب : حسيبة صالح /سوريا
في مساء السادس من كانون الأول، احتضنت قاعة دمشق في فندق غولدن ميراه جلسة حوارية نظمتها مبادرة “تاء مبسوطة”، حملت عنواناً بالغ الأهمية: “هل تندرج الديمقراطية وحقوق الأقليات ضمن أولويات السياسة الأمريكية في سوريا؟”. شارك في اللقاء نخبة من المثقفين والناشطين والسياسيين السوريين، وكان ضيف الحوار أيمن عبد النور، الذي قدّم رؤية معمقة حول طبيعة السياسة الأمريكية وتعقيداتها.
الولايات المتحدة: تعدد السلطات وتوازن القوى
أوضح عبد النور أن الولايات المتحدة لا تُدار بقرار مركزي واحد، بل هي منظومة متشابكة من سلطات متوازنة منها السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، الإعلام الخارجي، ومراكز الضغط. وأكد أن الكونغرس يمتلك سلطة الموازنة التي تمنحه تأثيراً مهماً ما يجعل عضو الكونغرس شخصية محورية لا يمكن الاستهانة بدورها في أي مسعى سياسي أو حقوقي.
الأقليات بين الشعارات والمصالح
تطرق الحوار إلى موقع الأقليات في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، حيث طرح الدكتور عبد النور سؤالاً محورياً:
“هل تُعتبر حقوق الأقليات جزءاً من مشروع ديمقراطي شامل، أم أنها مجرد ورقة ضغط تُستخدم لتحقيق مصالح استراتيجية؟”

الإجابات عكست تبايناً بين الخطاب المعلن الذي يرفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبين الواقع الذي يضع المصلحة الاقتصادية والأمن القومي في مقدمة الأولويات. ومع ذلك، أُشير إلى مبادرات مثل تشكيل مكتب الأديان في واشنطن، التي أظهرت احتراماً واضحاً للأقليات والمسيحيين.
دور الجالية السورية في الولايات المتحدة
أحد أبرز محاور النقاش كان دور السوريين المغتربين في أمريكا، الذين يعيشون في ظل نظام ديمقراطي. طرح السؤال:
“كيف يمكن أن تُترجم هذه التجربة إلى دعم فعّال للداخل السوري؟”
أوضح عبد النور أن الجالية السورية، خصوصاً الأطباء ورجال الأعمال والناشطين، استطاعت عبر تنظيم نفسها وكتابة المقالات وتأسيس جماعات ضغط أن توصل صوتها إلى دوائر القرار، فيما أكدت الإعلامية ديانا جبور أن وجود كبار المتبرعين ورجال الأعمال السوريين يمنح هذه الجالية وزناً مؤثراً في السياسات الأمريكية.
الاستثمار والاقتصاد كمدخل للتغيير
لم يقتصر النقاش على السياسة، بل تناول أيضاً المناخ الاستثماري في سوريا. شدد عبد النور على أن الشركات الأمريكية لا تخشى الدخول وتطلع أن تتوفر مبادئ أساسية على الإعلام الحر، القضاء العادل، الانتخابات النزيهة، والبنية التحتية القوية، وهي شروط أساسية لأي انتعاش اقتصادي.
الاتفاقات الكردية وقانون قيصر
كما تناول الحوار الاتفاقات مع الطرف الكردي، حيث أشار عبد النور إلى اتفاق العاشر من آذار مع مظلوم عبدي، مؤكداً أن رغم المماطلة والصعوبات، يبقى الأمل قائماً بأن تسهم هذه الاتفاقات، إلى جانب قانون قيصر، في فتح أبواب الحلول وتعزيز فرص التلاقي بين مكونات الشعب السوري.
الجلسة لم تكن مجرد نقاش سياسي، بل شكلت مساحة للتفكير في معنى الديمقراطية، في موقع الأقليات، وفي مسؤولية المغتربين السوريين الذين يعيشون في ظل أنظمة ديمقراطية. الرسالة الأبرز التي خرج بها الحضور هي أن القوة الحقيقية لا تكمن في قرارات واشنطن وحدها، بل في قدرة السوريين على تنظيم أنفسهم، الضغط بوعي، وبناء وطن يتسع للجميع.


