كتب : يسرا عبدالعظيم
الدلكة السودانية وثبات العطر… سر الجمال الخفي في الثقافة السودانية
تُعتبر الدلكة السودانية من أعرق طقوس الجمال في السودان والقرن الإفريقي، وهي ليست مجرد وصفة للتقشير أو التجميل، بل طقس اجتماعي وروحي تتناقله النساء جيلاً بعد جيل، خاصة في مناسبات الزواج، النفاس، أو حتى كجزء من الروتين الأسبوعي للعناية بالجسم وتثبيت الروائح العطرة.
أولًا: ما هي الدلكة السودانية؟
الدلكة عبارة عن خليط طبيعي يُصنع غالبًا من:
دقيق الذرة أو القمح.
مسحوق الصندل.
قشر البرتقال أو الليمون المجفف.
المسك.
زيت السمسم أو اللوز.
القليل من العطور الزيتية مثل اللافندر أو العود أو الفل.
يُخلط كل ذلك بماء الورد أو ماء الزهر حتى تتكون عجينة لينة تُدلك بها البشرة.
ثانيًا: فوائد الدلكة للبشرة والجسم
الفائدة
التأثير
تقشير عميق
تزيل خلايا الجلد الميت وتفتح المسام.
تفتيح وتوحيد اللون
تساعد على إزالة التصبغات وآثار الشمس.
نعومة حريرية
تمنح ملمسًا ناعمًا بفضل الزيوت الطبيعية.
تعطير يدوم طويلًا
تمتص البشرة خليط العطور والزيوت أثناء التدليك.
تنشيط الدورة الدموية
عملية التدليك نفسها تحفز العضلات وتريح الجسم.
ثالثًا: طريقة تحضير الدلكة السودانية الأصلية
المكونات الأساسية:
4 ملاعق دقيق (قمح أو ذرة).
ملعقة حنة بيضاء أو أرز مطحون (اختياري للتفتيح).
ملعقة صغيرة صندل مطحون.
ملعقة من قشر البرتقال أو الليمون المجفف.
ملعقة مسك مطحون.
ملعقة زيت سمسم أو لوز.
ماء ورد أو عطر مخفف للعجن.
خطوات التحضير والاستخدام:
يُمزج الدقيق مع الحنة والصندل وقشر البرتقال والمسك.
تُضاف الزيوت الطبيعية ويُعجن الخليط بماء الورد حتى يصبح كالعجينة السميكة.
يُترك 10 دقائق ليتفاعل.
يُدهن الجسم بالدلكة ويُترك حتى يبدأ في الجفاف.
يُفرك الجسم بحركات دائرية حتى تزال طبقة العجينة ومعها الجلد الميت.
يُشطف الجسم بماء دافئ فقط دون صابون للحفاظ على ثبات العطر.
رابعًا: سر ثبات العطر على الطريقة السودانية
السودانيات معروفات بقدرة مذهلة على جعل العطر يبقى على الجسم لأيام، بل أحيانًا يمتد تأثيره إلى الملابس والفراش. السر لا يكمن في نوع العطر فقط، بل في ترتيب خاص وطقوس محددة:
1. التبخير (الخمرة السودانية):
استخدام بخور مصنوع من الصندل، المحلب، العنبر، الظفر، المسك.
يُوضع على جمر داخل مبخرة، وتجلس المرأة فوق المبخرة وهي مغطاة بقطعة قماش سميكة لتتغلغل الأبخرة العطرية في الجلد والمسامات.
2. ترطيب الجسم قبل التعطير:
بعد الحمام أو الدلكة تُدهن البشرة بزيت السمسم، أو زيت المحلب، أو زبدة الشيا.
البشرة الدافئة والرطبة تمتص العطر أكثر من الجافة.
3. استخدام العطور الزيتية الثقيلة:
مثل دهن العود، المسك الأبيض، الفاغرة، المحلب المخلوط بالعطر.
تُدهن مناطق النبض (خلف الأذن، الرسغ، خلف الركبة، عند الكتف).
4. الخلطات العطرية (الخمريات):
تُصنع وتُحفظ في زجاجات داكنة وتترك لمدة من أسبوع إلى شهر ليزداد تركيز الرائحة.
أشهرها: خمرية المحلب، خمرية اللافندر، خمرية المسك والعود.
خامسًا: لماذا تدوم رائحة العطر بهذه القوة؟
✔ وجود دهون طبيعية في الزيوت تثبت العطر داخل الجلد.
✔ التعرض للبخور يجعل المسام مفتوحة وجاهزة لامتصاص العطر.
✔ الدلكة تنظف وتزيل الجلد الميت، ما يسمح للعطر بالالتصاق بطبقة جديدة من الجلد.
✔ الخلطات تحتوي على مواد راتنجية مثل الصندل والعنبر، وهي بطبيعتها ثابتة وطويلة العمر.
سادسًا: هل يمكن تحضيرها في المنزل؟
نعم، ويمكن تبسيط المكونات حسب المتوفر، ولكن أفضل النتائج تكون عندما تُحضّر وفق الطريقة التقليدية وبتخمير الخلطة لمدة كافية حتى تتجانس الروائح وتصل لقوتها القصوى.
الدلكة السودانية ليست مجرد وصفة للعناية بالجسم، بل فن متكامل من الجمال والروح والعطر، يجمع بين الطبيعة، الأنوثة، والتراث. لذلك لا تزال حتى اليوم تتصدر طقوس الزفاف والتجميل في السودان ودول عربية عديدة.


