كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
في قرار وصفه الكثيرون بالمفاجئ، شهدت منظومة التعليم في ليبيا حالة من «الحرمان الجماعي» تُطال الملايين من الطلاب، بعدما ظهرت تحقيقات قضائية اتهمت وزير التعليم ومدير المناهج بتقصير جسيم في تأمين الكتب المدرسية والتجهيزات اللازمة للعام الدراسي، مما أدى إلى توقف التعليم أو خلل كبير في سيره لأكثر من مليوني طالب.
وتشير الوثائق التي تم تسريبها إلى أن مشكلة تأخير توزيع الكتب بدأت منذ بداية العام الدراسي 2021، حينما ضُربت المفاهيم الأساسية لحق التعليم المجاني في المدارس العامة، واضطُر الطلاب وأولياء الأمور إلى اقتناء نسخ مصورة من المناهج أو حتى الاكتفاء بالإقرارات شفوية بغياب الوسائط التعليمية. وفي الوقت نفسه، مثّلت المعاناة الناتجة عن ذلك تهديدًا لمبدأ المساواة بين الطلبة في جميع المناطق، مما أثار احتجاجات محدودة من أولياء أمور لم تتم تغطيتها إعلامياً.
على مستوى المسؤولين، أدانت محكمة طرابلس الوزير المُكلّف بوزارـة التربية والتعليم، مُوسى المُقريف، بتهم تتعلق بـ «انتهاك مبدأ المساواة والتوسط لمصلحة جهة غير معلومة وإسناد عقود طباعة الكتب بطريقة محاباة». وقد صدرت بحقه عقوبة بالحبس لمدة ثلاث سنوات ونصف، إضافة إلى غرامة مالية وحرمان من الحقوق المدنية لفترة ما بعد التنفيذ، بسبب إدارة متهاونة لمناقصات الكتب المدرسية، بحسب بيان مكتب النائب العام. هذه الأحكام تسلّط الضوء على حقيبة وزارة التعليم التي شهدت ضعفًا مؤسسياً في تحقيق أهداف التعليم الشامل والمتكافئ.
من جهتها، رفضت الوزارة تحميل المدرّسين والطلاب مسؤولية الأزمة وحدهم، وأرجعت سبب التأخير إلى «توحيد المناهج بين المناطق الثلاث في ليبيا»، ما أسفر عن تأخر دفع المستحقات للمطبوعات، لكن هذا التبرير لم يكن مقنعًا بالنسبة لعدد كبير من الأهالي الذين أشاروا إلى أن السبب الحقيقي هو وجود عقود لم تُنفّذ واستغلال المال العام. ويؤكد خبراء تربويون أن هذه الأزمة تمثّل نقطة انعطاف حاسمة في قطاع التعليم في البلاد، الذي يعاني من سنوات من الانقسام السياسي والانهيارات الإدارية.
في ضوء ذلك، يُتوقع أن تستمر آثار الحادثة على شكل ضعف في التحصيل الدراسي، ارتفاع في معدلات الرسوب أو التسرب، وزيادة التفاوت بين المناطق الحضرية والريفية، كما قد تؤدي إلى تجاذبات سياسية إضافية حول مسؤولية الإدارة والتعليم في ليبيا. وتؤكد مصادر مطلعة أن «الحرمان» الذي طال مئات الآلاف من الطلاب ليس مؤقتًا، بل يُشكّل بداية أزمة أعمق في النظام التعليمي تحتاج إلى إصلاح جذري يرعى الحقوق التعليمية ويحفظ كرامة الطالب.


