كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
توّجت العاصمة الكندية تورنتو، بتاريخ 1 نوفمبر 2025، توقيع إعلان نوايا مشترك بين Australia و Canada يُعنى بـ «التعاون في المعادن الحيوية» — خطوة استراتيجية تهدف إلى تقليص الاعتماد العالمي على China في سلسلة إمداد تلك المواد، المُهمّة لصناعات البطاريات، والمركّبات الدفاعية، وتقنيات الطاقة النظيفة.
الاتفاق الذي وقّعته وزيرة الموارد الأسترالية Madeleine King ونظيرها الكندي وزير الموارد والطاقة Tim Hodgson، خلال اجتماع وزراء الطاقة والبيئة لمجموعة السبع في تورنتو، يعكس إدراكاً مشتركاً بين البلدين باعتبارهما «منتجين على نطاق واسع وذو نزعة مماثلة» للمعادن الحيوية، ولذا هما «مصممان على التحول من المنافسة إلى التعاون» من أجل بناء سلاسل إمداد أكثر تنوّعاً ومرونة.
أوضح الإعلان أن الأهداف تشمل تعزيز التجارة والتعاون في كامل سلسلة القيمة للمعادن الحيوية — من الإنتاج والتعدين وصولاً إلى المعالجة، والتكرير، وإعادة التدوير. كما يشمل تعزيز الشراكات التجارية والبحثية، وربط الاستثمار الحكومي والخاص، مع التركيز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) وإشراك المجتمعات الأصيلة في كلتا الدولتين.
فيما يلي أبرز معالم هذا الاتفاق وسياقه الاستراتيجي:
دوافع الاتفاق
لكل من أستراليا وكندا احتياطات معتبرة من المعادن الحيوية والمُعالجة ضمنياً ضمن “إنتاج كبير”. الإعلان يؤكد أن البلدين يدركان أن هذه المواد تُعدّ “ذات أهمية استراتيجية لاقتصادنا وأمننا القومي، بما في ذلك التطبيقات الدفاعية، الانتقال نحو الطاقة النظيفة، وتصنيع التقنيات المتقدمة”.
تعتمد الدول الغربية بشدة على الصين كمورد ومعالج أساسي للمعادن النادرة والحرجة، ما يجعل سلاسل الإمداد عرضة لمخاطر جيو-اقتصادية أو انقطاع توريد أو تغيّرات تصديرية من الصين. بحسب بيان، «بما في ذلك معادن مغناطيسية نادرة وبطاريات معدنية» تُعد الصين المصدر الرئيسي لمعالجتها.
الاتفاق يندرج أيضاً في إطار تعاون دولي أكبر ضمن محور مجموعة السبع والدول المتحالفة، القصد منه بناء بدائل لسلسلة الإمداد التقليدية التي تهيمن عليها الصين.
ما يتضمّنه الاتفاق من بنود
التعاون في الاستثمار والمشاريع: تشجيع الأدوات المشتركة للتمويل الحكومي والخاص، بما في ذلك الاحتياطي الاستراتيجي للأستراليين وإطار تمويل التصدير الكندي، وذلك لتفعيل المشاريع ذات الاهتمام المشترك.
التطوير التكنولوجي والمعالجة: دعم البحوث المشتركة في المعالجة والتكرير وإعادة التدوير، مع التركيز على التقنيات منخفضة الكربون والاقتصاد الدائري.
مواءمة السياسات والتنظيمات: تبادل أفضل الممارسات في معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية، وعمليات الترخيص، وسُبل المُساءلة، لضمان أن الأسواق الجديدة تُبنى على أساس “موحد” ومعايير متسقة.
مرونة سلسلة الإمداد: التعاون في تصميم أدوات وإجراءات لمواجهة أزمات أو تعطيلات محتملة في تطوير المشاريع وسير العمل.
إطار المتابعة: الاتفاق ينصّ على إنشاء اجتماع وزاري داخل كلاً من البلدين خلال ستة أشهر من توقيع الاتفاق لتقييم التقدّم، وتعيين مبعوث خاص من كل طرف لمتابعة خارطة المشاريع المشتركة.
الجدير بالذكر أن الاتفاق هو إعلان نوايا (Joint Declaration of Intent) وليس ملزماً قانونياً، ولا يفرز في حدّ ذاته التزامات مالية قاطعة، إذ أن التمويل لن يُفعّل إلا بموجب القوانين والميزانيات الداخلية للطرفين.
الأبعاد الجيو-اقتصادي
هذا التوجّه يُعدّ جزءاً من إعادة رسم خارطة التحالفات الاقتصادية في قطاع المعادن الحيوية، ويُشير إلى أن الدول المنتجة الكبرى تبحث عن شراكات جديدة لتجاوز الهيمنة التقليدية للدول التي كانت تتحكم في معالجة هذه المواد، أبرزها الصين.
كما يُحاول الأطراف العمليّ إعادة تشكيل قواعد اللعبة بحيث لا يُنظر إلى التوريد بمجرد استخراج، بل يشمل المعالجة، التصنيع، إعادة التدوير، وربما إقامة احتياطيات استراتيجية للدول المنتجة.
بالإضافة إلى ذلك، سيسهم الاتفاق في دعم الابتكار التكنولوجي الوطني لدى البلدين وفي ضخ استثمارات في قطاع تعديني وتقني كان أقل تطوراً حتى الآن، ما يُمكن أن يفتح فرصاً اقتصادية وجيوسياسية جديدة.
تداعيات محتملة
داخلياً، يتيح للأستراليين والكناديين تنمية صناعات ما بعد التعدين (المعالجة، التكرير، التصنيع) وليس الاقتصار على التصدير الخام.
على المستوى العالمي، قد يُخفّف تدريجياً هيمنة الصين على المعادن الحيوية ويساهم في تعزيز استقرار سلاسل التوريد لدى الدول الغربية.
كما قد يُعزّز من قوة التفاوض لدى الدول المنتجة كلما كانت قادرة على تقديم منتجات نهائية أو نصف نهائية وليس مجرد خامات.
مع ذلك، التحدي كبير: فالمعالجة والتكرير والبيئة التنظيمية والنقل والتمويل كلها تشكّل عائقاً أمام التنفيذ السريع. الاتفاق يضع إطاراً، لكن النتائج العملية تحتاج وقتاً.
في المجمل، هذا التحالف بين أستراليا وكندا يشير إلى تحوّل مهمّ في الاستراتيجية العالمية للمعادن الحيوية، من المنافسة التقليدية إلى التعاون ضمن رابطة اقليمية – استراتيجية – صناعية، تستهدف بناء بدائل لسلاسل الإمداد التي طالما اعتمدت بدرجة كبيرة على الصين.


