كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
شهدت مدينة بوسان الكورية الجنوبية لقاءً استثنائياً جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، في جلسة مغلقة استمرت نحو مائة دقيقة، أعادت من جديد فتح الملفات العالقة بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم، وسط أجواء من الترقب الإقليمي والدولي.
الاجتماع الذي جرى داخل قاعة مخصصة في مطار “جيمهاي الدولي” لم يكن عادياً في طبيعته أو توقيته، إذ جاء بعد شهور من التوتر المتصاعد بين واشنطن وبكين حول قضايا التجارة والتكنولوجيا، وملف تايوان، إضافة إلى التنافس الحاد في أسواق الطاقة والمعادن النادرة.
لقاء غير تقليدي.. ورمزية المكان
اختيار المطار لعقد اللقاء لم يكن تفصيلاً بروتوكولياً بسيطاً، بل حمل رسالة واضحة عن رغبة الطرفين في كسر الجمود، وتجنّب الإجراءات الرسمية التي عادةً ما تُبطئ مسار التفاهمات. وقد جلس ترامب وشي على طاولة مستديرة صغيرة بحضور وفود محدودة من الجانبين، بينما تمّ منع أي تغطية إعلامية مباشرة، ما زاد من غموض تفاصيل النقاش.
مصادر متابعة أكدت أن المباحثات تطرقت إلى «كل الملفات الحساسة دفعة واحدة»، بدءاً من التجارة مروراً بالتكنولوجيا وصولاً إلى الأمن الإقليمي. وتمحورت المناقشات حول إعادة ضبط العلاقات الاقتصادية على أساس “توازن المصالح”، بما يضمن استمرار التبادل التجاري دون الإضرار بالمصانع والشركات في كلا البلدين.
تفاهمات أولية حول المعادن والرسوم الجمركية
أحد أبرز الملفات التي جرى التطرق إليها كان مسألة المعادن الأرضية النادرة التي تمتلك الصين الحصة الأكبر من إنتاجها العالمي، حيث ناقش الجانبان إمكانية فتح قناة تعاون محدودة في هذا المجال لمدة عام تجري خلالها مراجعة دورية للإمدادات والأسعار.
كما تناول اللقاء ملف الرسوم الجمركية التي كانت أحد أبرز أسباب الحرب التجارية السابقة بين البلدين، إذ أبدى ترامب استعداداً لتخفيف بعض الرسوم على السلع الصينية، خصوصاً في مجالات الزراعة والرقائق الإلكترونية، مقابل التزام بكين بتوسيع وارداتها من المنتجات الأمريكية خلال الفترة المقبلة.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في قلب المفاوضات
التكنولوجيا كانت محوراً رئيسياً في اللقاء، إذ شدد ترامب على ضرورة إيجاد تفاهمات جديدة بشأن الشركات الصينية العاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي والرقائق المتقدمة، مشيراً إلى أهمية ضمان “تدفقات آمنة للابتكار” بين البلدين دون المساس بالأمن القومي الأمريكي.
من جانبه، أكد شي جين بينغ أن الصين لا تسعى إلى الهيمنة التقنية بل إلى “تعاون متوازن” يتيح الاستفادة المتبادلة، داعياً واشنطن إلى وقف القيود التي تفرضها على صادرات التكنولوجيا العالية.
رسائل سياسية متبادلة
بعيداً عن الاقتصاد، حملت المحادثات رسائل سياسية واضحة، إذ دعا الرئيس الصيني إلى تهدئة التوتر في بحر الصين الجنوبي واحترام مبدأ “الصين الواحدة” في ما يتعلق بتايوان. ورد ترامب بالتأكيد على التزام بلاده بالسلام والاستقرار في المنطقة، معرباً عن تقديره “للشخصية القوية والحكمة السياسية” التي يتمتع بها نظيره الصيني، على حد وصفه.
هدنة مؤقتة أم بداية مسار جديد؟
ورغم الأجواء الإيجابية التي سادت اللقاء، فإن محللين وصفوه بأنه أقرب إلى “هدنة مؤقتة” تهدف إلى تخفيف الضغوط المتبادلة أكثر من كونه اتفاقاً استراتيجياً طويل الأمد. غير أن استمرار الحوار بين البلدين بعد فترة طويلة من الجمود يُعد في حد ذاته مؤشراً على رغبة في استعادة التوازن الذي افتقدته العلاقات الأمريكية-الصينية في السنوات الأخيرة.
ختام اللقاء وتداعياته
في ختام الاجتماع، غادر الرئيس الأمريكي المطار متوجهاً لاستكمال جولته الآسيوية، فيما بقي شي جين بينغ في كوريا الجنوبية للمشاركة في فعاليات قمة “أبيك”، بينما اكتفى الجانبان ببيانات مقتضبة تؤكد “نجاح المباحثات” و“أهمية مواصلة التنسيق”.
ويرى مراقبون أن لقاء الـ100 دقيقة ربما يشكل نقطة تحول في مسار العلاقات بين واشنطن وبكين، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية وتنامي التحديات الأمنية في شرق آسيا، مشيرين إلى أن أي تفاهم بين القوتين العظميين ستكون له انعكاسات واسعة على الأسواق الدولية واستقرار النظام العالمي بأسره.


