كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
تشهد الساحة السياسية الفرنسية اليوم أجواء مشحونة مع انطلاق مناقشات مشروع موازنة عام 2026 داخل الجمعية الوطنية (البرلمان)، في ظل انقسامات حادة بين الكتل السياسية وغياب الأغلبية المطلقة للحكومة، ما يثير مخاوف من مواجهة جديدة بين الرئيس إيمانويل ماكرون والمعارضة حول كيفية إدارة الاقتصاد الفرنسي في المرحلة المقبلة.
وتعد موازنة 2026 واحدة من أكثر الملفات حساسية لحكومة رئيسة الوزراء غابرييل أتال، إذ تواجه انتقادات واسعة بسبب خططها لتقليص الإنفاق العام وتقليص عجز الميزانية الذي تفاقم خلال السنوات الأخيرة نتيجة جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة.
ويؤكد مراقبون أن الحكومة تسعى من خلال الموازنة الجديدة إلى تحقيق توازن دقيق بين متطلبات ضبط الإنفاق والالتزام بتعهدات باريس أمام الاتحاد الأوروبي، وبين الحفاظ على النمو الاقتصادي وعدم إثارة اضطرابات اجتماعية جديدة، خاصة بعد سلسلة احتجاجات واسعة شهدتها فرنسا خلال العامين الماضيين بسبب الإصلاحات الاقتصادية.
وتتركز أبرز نقاط الخلاف بين الحكومة والمعارضة حول مقترحات خفض الدعم على بعض السلع والطاقة، وإعادة هيكلة النظام الضريبي، إلى جانب سياسة التوظيف في القطاع العام. فيما تتهم أحزاب اليسار الحكومة بأنها “تسعى لتحميل الطبقات الوسطى والفقيرة عبء العجز المالي”، بينما يرى اليمين أن المقترحات الحالية “لا تكفي للحد من الدين العام المتزايد”.
ومع فقدان الحكومة لأغلبيتها المطلقة داخل البرلمان منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، يلوّح بعض الوزراء بإمكانية اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور الفرنسي، التي تتيح تمرير القوانين دون تصويت في البرلمان، وهو إجراء سبق أن استخدمته حكومة ماكرون أكثر من مرة خلال مناقشات موازنة الأعوام السابقة، ما أثار حينها احتجاجات حادة واتّهامات بتقويض الديمقراطية البرلمانية.
وفي المقابل، أعلنت قوى المعارضة من مختلف الاتجاهات – من اليسار الراديكالي إلى اليمين المحافظ – استعدادها لتقديم تعديلات موسعة على مشروع الموازنة، بل وحتى طرح حجب الثقة في حال استخدمت الحكومة المادة المثيرة للجدل مجددًا.
ويرى محللون أن مناقشات موازنة 2026 تمثل اختبارًا سياسيًا جديدًا لماكرون وحكومته، خاصة في ظل تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي واحتدام المنافسة استعدادًا للانتخابات المقبلة، وسط تحديات اقتصادية متزايدة وضغوط اجتماعية لا تهدأ.


