كتب : دينا كمال
اكتشاف جين نادر يسبب نوعًا من السكري لدى حديثي الولادة فقط
في إنجاز علمي جديد، تمكن باحثون من تحديد جين مسؤول عن شكل نادر من داء السكري لا يصيب سوى الأطفال حديثي الولادة. يظهر هذا النوع من المرض خلال الأسابيع أو الأشهر الأولى من حياة الطفل، ويؤدي إلى اضطراب شديد في إنتاج الأنسولين، وهو الهرمون الذي ينظم مستوى السكر في الدم.
وأوضح العلماء أن السبب وراء هذا الشكل الغامض من المرض يرتبط بجين يُعرف باسم TMEM167A، إذ تبين أن الطفرات التي تصيبه تُعطل وظيفة خلايا “بيتا” في البنكرياس، المسؤولة عن إفراز الأنسولين، ما يؤدي في النهاية إلى تدميرها الكامل.
وأشار الباحثون إلى أن تأثير الجين لا يقتصر على البنكرياس فقط، بل يمتد إلى الخلايا العصبية أيضًا، مما يجعل المرض أكثر تعقيدًا.
وذكرت الدكتورة ميريام كنوب، أخصائية أمراض السكري بجامعة بروكسل الحرة، أن استخدام الخلايا الجذعية المنتجة للأنسولين أتاح للعلماء دراسة الخلل في خلايا بيتا لدى المصابين بأنواع نادرة من السكري، مؤكدة أن ذلك يمثل نموذجًا فريدًا لفهم آليات المرض وتجربة العلاجات المحتملة.
وشملت الدراسة رسم الخرائط الجينية لستة أطفال تم تشخيصهم بالسكري الولادي، إلى جانب معاناتهم من صِغَر الرأس قبل بلوغهم ستة أشهر، كما عانى خمسة منهم من نوبات صرع متكررة. وتعرف هذه الأعراض مجتمعة باسم متلازمة صِغَر الرأس والصرع والسكري (MEDS)، وهي حالة نادرة جدًا، لم تُسجّل منها سوى 11 حالة حول العالم.
وكان العلماء قد ربطوا في السابق جينين آخرين بالمتلازمة، هما IER3IP1 وYIPF5، أما الاكتشاف الجديد فقد أضاف TMEM167A إلى قائمة الجينات المسببة للمرض، ليصبح بذلك السبب الجيني الثالث المؤكد للمتلازمة.
وكشفت التحاليل أن الجين الجديد ينشط في البنكرياس والدماغ لدى كل من الأطفال والبالغين، ما يفسر تزامن الأعراض العصبية مع اضطرابات إنتاج الأنسولين.
ولفهم آلية تأثير الجين، أجرى الباحثون تجربة على خلايا جذعية بشرية أُزيل منها الجين TMEM167A واستُبدل بالنسخة المتحورة منه، ثم تم تحفيزها لتتحول إلى خلايا “بيتا” منتجة للأنسولين. ورغم تطورها بالشكل المتوقع، إلا أنها فشلت في إفراز الأنسولين عند تعرضها للجلوكوز، ما كشف أن الخلل يكمن في آلية عملها الداخلية.
وأظهرت النتائج أن الخلايا لم تستطع التأقلم مع الاضطرابات داخل الشبكة الإندوبلازمية، وهي المسؤولة عن تصنيع البروتينات داخل الخلية، مما أدى إلى تدميرها الذاتي وفقدان الجسم قدرته على إنتاج الأنسولين.
وقالت الدكتورة إليزا دي فرانكو، عالمة الوراثة بجامعة إكستر البريطانية، إن تحديد الطفرات الجينية المسببة لهذا الشكل من السكري يمنح العلماء وسيلة مهمة لفهم الجينات المسؤولة عن إنتاج وإفراز الأنسولين.
وأضافت أن هذا الاكتشاف يقدم فهمًا جديدًا لوظيفة جين لم يكن معروفًا دوره من قبل، ويُظهر أنه أحد المفاتيح الأساسية لعملية إفراز الأنسولين في الجسم.
ويرى الباحثون أن هذا التقدم قد يمهّد الطريق لتطوير علاجات وراثية تستهدف الخلل الجيني مباشرة، بدلًا من الاكتفاء بعلاج الأعراض، كما يمكن أن يسهم في فهم أفضل للأنواع الأخرى من السكري، خاصة النوع الأول.
وعلى الرغم من ندرة هذا المرض، فإن ما يحمله من أسرار جينية قد يساعد في إنقاذ حياة ملايين المرضى حول العالم، فالاكتشافات النادرة قد تفتح أبوابًا جديدة لعلاج أحد أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا في العصر الحديث.


