كتب : دينا كمال
إعمار غزة يتطلب نهضة إنسانية قبل إعادة البناء
رغم أن ما تبقى من غزة اليوم لا يتجاوز أنقاضاً وركاماً، يرى عدد من الباحثين أن إعادة البناء المادي ليست سوى الخطوة الأسهل في طريق طويل نحو التعافي الحقيقي.
فالمعركة الأصعب، بحسب المختصين، تتمثل في إعادة إعمار الإنسان، وإحياء الوعي، واستعادة التعليم، وتأهيل جيلٍ حُرم من المدارس والمعلمين. فبدون استثمار جاد في العقل الفلسطيني، لن تنجح أي خطة إعمار مهما بلغت كلفتها.
ويؤكد باحثون في دراسات ما بعد الحروب أن جهود إعادة إعمار القطاع لن تحقق نتائج دائمة ما لم تُقدها خبرات ومؤسسات فلسطينية تمتلك المعرفة بواقع المجتمع واحتياجاته.
وأشاروا إلى أن التعافي في مجالات الصحة العامة والتعليم العالي والبحث العلمي والبيئة يتطلب قيادة محلية فاعلة تفهم طبيعة التحديات على الأرض.
وجاء هذا التحذير ضمن تقرير نشرته مجلة ناتشر العلمية، بعد يوم واحد من احتفالات شهدها القطاع عقب الإعلان عن المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار، والتي حظيت بموافقة الحكومة الإسرائيلية لاحقاً.
دمار واسع وآثار عميقة
تسببت الحملة العسكرية الإسرائيلية التي اندلعت عقب هجمات 7 أكتوبر 2023 بمقتل أكثر من 67 ألف شخص، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات وشبكات المياه والصرف الصحي.
وذكرت لجنة مراجعة المجاعة الدولية أن أكثر من 500 ألف شخص في القطاع عانوا من المجاعة بحلول أغسطس الماضي، بينما يعاني نحو 55 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد، وفق بيانات نشرتها مجلة The Lancet الطبية في 8 سبتمبر.
كما أشار الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى مقتل أكثر من 2200 من الكوادر الطبية والتعليمية منذ اندلاع الحرب، وتعرض نحو 80 في المئة من الجامعات والكليات في غزة للتدمير أو الضرر الجزئي، مما أدى إلى توقف دراسة نحو 88 ألف طالب، بحسب منظمة اليونسكو.
خسائر التعليم وإعادة التأهيل
قال الباحث في جامعة نيلسون مانديلا بجنوب إفريقيا، سافو هيليتا، إن الحرب ألحقت أضراراً تُقدّر بنحو 222 مليون دولار في منشآت التعليم العالي، مشيراً إلى أن كلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى مليار دولار بسبب إزالة الركام والتعامل مع الذخائر غير المنفجرة.
وأضاف أن المساعدات السابقة للجامعات الفلسطينية لم تتجاوز 20 مليون دولار سنوياً.
ما بعد الطوب والإسمنت
توضح أماني المقدمة، رئيسة العلاقات الدولية في الجامعة الإسلامية بغزة، أن أولويات القطاع لا تقتصر على إعادة البناء المادي، بل تشمل استمرار التعليم عن بُعد، وتقديم دعم نفسي للطلاب والعاملين، وربط الباحثين من جديد بالمجتمع الأكاديمي العالمي عبر المؤتمرات والمنح.
وتؤكد أن المؤسسات الأكاديمية والعلمية في غزة يجب أن تكون شريكاً أساسياً في عملية الإعمار، نظراً لامتلاكها فهماً عميقاً لاحتياجات المجتمع المحلي.
تمكين الغزيين
وتتفق معها الباحثة ناومي رينتول-هاينز من جامعة كانتربري البريطانية، التي تدرس الأثر البيئي للحرب، مؤكدة أن القرارات المتعلقة بمستقبل القطاع يجب أن تُبنى على مشاركة حقيقية من المجتمع المحلي.
ويرى الخبراء أن أي خطة دولية لإعادة إعمار غزة، بما فيها خطة ترامب، لن تنجح ما لم تضع الفلسطينيين في موقع القيادة، ليس فقط لإعادة بناء ما تهدّم، بل لإحياء الإنسان والعقل والمؤسسات التي تمثل روح غزة ومستقبلها.


