كتب : يسرا عبدالعظيم
تعرف على المرض الاكثر تدميرا من بين الامراض العقلية
الفصام (Schizophrenia) هو اضطراب نفسي مزمن يؤثر بشدة على المرضى وعلى الأسر والمجتمع من حولهم. دراسات عدة من جامعات ومراكز بحثية حول العالم تكشف كم هو المرض مدمر عند غياب التشخيص والعلاج المناسب، كما تبين الأثر متعدد الأبعاد — الجسدي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي.
فيما يلي عرض لآراء الخبراء بناءً على أبحاث جامعية، وتفصيل لأهم جوانب الخطورة:
أ) الآثار على المريض نفسه
الضعف المعرفي (Cognitive Impairment)
خبراء من عدة جامعات يقولون إن العجز المعرفي من أعراض الفصام الأساسية، ويُعد من أهم العقبات أمام التعلُّم، اتخاذ قرارات يومية، والتكيّف الوظيفي. دراسة بعنوان “Cognitive dysfunction in schizophrenia: An expert group paper on the current state of the art” تشير إلى أن الادراك الاجتماعي والوظائف التنفيذية تتضرر بشدة، وأن هذه الاضطرابات تبدأ قبل ظهور الأعراض الكلاسيكية للفصام، وتستمر حتى مع استقرار الأعراض الإيجابية.
ضعف التركيز، الذاكرة، ومعالجة المعلومات يجعل المرضى أقل قدرة على العمل أو الدراسة بفعالية وغيرها من الأنشطة المعرفية.
الأعراض السلبية (Negative Symptoms)
دراسة ضخمة من جامعة تورونتو (مشاركة في المشروع CATIE) بحثت دور الأعراض السلبية الأساسية (Primary Negative Symptoms) ووجدت أنها مرتبطة بتدهور ملموس في مخرجات الأداء الوظيفي، حتى بعد السيطرة على الأعراض الإيجابية أو التأثيرات الدوائية الجانبية. هذا يعني أن الأعراض مثل الخمول، الانعزال العاطفي، القلة في التعبير العاطفي تؤثر بشكل رئيسي على جودة الحياة.
الوظيفة الاجتماعية والمهنية
في دراسة “Employment and its relationship with functionality and quality of life in patients with schizophrenia: EGOFORS Study” تبين أن المرضى العاملين أو الذين يدرسون يتمتعون بوظائف اجتماعية وجودة حياة أفضل، بينما نسبة عالية منهم عاطلون، مما يُفاقم من الإعاقة والانعزال الاجتماعي.
أيضًا، دراسة من المغرب على 72 مريضًا أكدت أن العاملين والمستفيدين من دعم اجتماعي وأسرية لديهم أداء اجتماعي أفضل.
جودة الحياة (Quality of Life)
دراسة من جامعة المنصورة (مصر) عرضت أن غالبية المرضى لديهم جودة حياة متدنية جدًا. 88.3٪ من العينة كانوا في مستوى منخفض من جودة الحياة. هذا يشمل الصحة النفسية والجسدية، العلاقات الاجتماعية، النشاط المهني، الشرط المعيشي العام.
الخبراء يعتبرون أن جودة الحياة هي مؤشر هام للشفاء الوظيفي، وليس مجرد اختفاء الأعراض.
ب) أضرار للفرد على المستوى النفسي والعاطفي
زيادة مخاطر الانتحار والاكتئاب: المرضى غالبًا يعانون من شعور باليأس، العزلة، فقدان الهدف، الأمر الذي يزيد احتمال الأفكار الانتحارية. رغم أن الدراسات ليست كلها تقدم أرقامًا محددة في كل بيئة، إلا أن الأطباء النفسيين يقرّون أن هذه من الأشد خطورة.
تدهور الصحة الجسدية المصاحبة: استخدام مضادات الذهان طويل الأمد قد يؤدي إلى زيادة الوزن، مقاومة الأنسولين، السكري، أمراض القلب. هذه الأمراض الجانبية تضيف عبئاً كبيراً على المريض.
الإدمان أو التعاطي: بعض المرضى يلجأون لتعاطي المخدرات أو الكحول كآلية للهروب من الأعراض النفسية أو الشعور بالاعتماد على الذات، مما يزيد من التعقيد والعلاج.
ج) التأثير على الأسرة والمحيطين
عبء الرعاية (Caregiver Burden)
بحث في مستشفى بنها (مصر) بين مقدّمي الرعاية لعائلات مرضى الفصام، وجدوا أن العبء يتراوح من متوسط إلى شديد، وأنه يرتبط بإعراض المريض الإيجابية والسلبية، وكذلك مدة المرض والمستوى التعليمي للمقدّم.
مجلة علوم التمريض جامعة بنها
دراسة في إيران (Hamadan) استخدمت Zarit Burden Interview أظهرت أن غالبية الأُسَر تصل إلى مستويات “متوسطة إلى شديدة” من العبء، ويعاني الكثيرون من ضغوط نفسية واقتصادية ملحوظة.
الأثر النفسي على الأسرة
القلق، الاكتئاب، الشعور بالذنب، الخوف من المستقبل؛ الأسر تعيش حالة ضغط دائم. دراسات نوعية في بكين (China) بين أفراد الأسرة أكّدت أن الحاجة للمساندة النفسية والمعلومات الطبية والتعليم ضرورية جداً.
العلاقة بين قدرات الأسرة التكيفية (resilience) والقدرة على تحمل العبء: دراسات تظهر أن الأسر التي تتمتع بدعم اجتماعي وتعليم حول المرض تتعامل بشكل أفضل. مثال: دراسة بنها أظهرت ارتباطاً عكسياً بين مرونة القائمين بالرعاية ومستوى العبء.
مجلة علوم التمريض جامعة بنها
الأثر المالي والمادي
تكاليف الأدوية، المستشفيات، التنقل، فقدان القدرة على العمل لدى المريض وأحياناً أحد أفراد الأسرة.
الدراسة من نيجيريا تشير إلى أن العائلات في المناطق الريفية تتحمّل تموّلًا أكبر نسبة من الدخل؛ الأعباء التشغيلية اليومية كثيرة.
الوضع الاجتماعي والوصمة (Stigma)
مفاهيم خاطئة في المجتمع (الخوف من العدوى، الخطورة، الأوهام بأن المرض يعني فقدان العقل) تزيد من عزل المرضى وأسرهم.
دراسة من الطلاب الجامعيين في المملكة المتحدة وجدت أن الكثير منهم يعتقد أن الفصام يعني تعدد الشخصيات أو خطورة تلقائية، مما يبطئ طلب المساعدة وتنفيذ التشخيص المبكر.
د) آراء خبراء وتوصياتهم المبنية على الأبحاث
خبراء الفعل الوظيفي يشددون على أن علاج الأعراض الإيجابية وحده غير كافٍ؛ يجب التركيز أيضًا على الأعراض السلبية والضعف المعرفي لتحسين الأداء اليومي للمريض. (كما في دراسات مثل CATIE وعلماء من جامعة تورونتو).
خبراء جودة الحياة يرون أن تقييم جودة الحياة يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من العلاج النفسائي، ويقترحون استخدام مقاييس معيارية معترف بها عالميًا لتتبع التقدم.
أخصائيو الأسرة والرعاية المجتمعية يؤكدون على أهمية برامج التوعية النفسية والتعليم الأسري (psychoeducation) لتقليل العبء النفسي والمادي، وتحسين التعاون بين المريض والأسرة. (دراسة من باكستان عن psychoeducation أظهرت انخفاضًا كبيرًا في العبء الأسري بعد 6 أشهر).
خبراء الصحة العامة والسياسات يطالبون بتوفير خدمات دعم اجتماعي واقتصادي للمرضى ومقدّمي الرعاية (مكانس رعاية نهارية، دعم مالي، خدمات منزلية)، والتشجيع على إدماج المرضى في العمل أو التدريب المهني.
فى النهاية الفصام ليس مجرد مرض يظهر أعراضًا ذهنية فحسب، بل يؤثر على المريض في الجوانب النفسية والجسدية والمعرفية، ويؤثر على أسرته والمجتمع من حوله بطريقة مركبة. الأبحاث الجامعية والخبيرية تجمع على:
أهمية التشخيص المبكر وتقديم علاج متكامل يشمل الأعراض الإيجابية والسلبية والمعرفية؛
ضرورة الدعم الأسري والنفسي وتقليل الوصمة المجتمعية؛
توفير سياسات صحية واجتماعية لتحمّل العبء المالي والدعم المجتمعي؛
وأيضًا إدماج المريض في المجتمع والعمل المهني قدر الإمكان، لرفع مستوى الأداء الاجتماعي وتحسين نوعية الحياة.


