الوطن… ليس مكانًا نسكنه، بل كيانًا يسكننا
بقلم/ د. معصومة العبد الرضا.
في زحام الحياة وتسارع الأيام، ننسى أحيانًا أنَّ ما يظلّلنا من أمن، وما يحتوينا من دفء، وما يَمنحنا هوية وكرامة… هو الوطن.
والوطن ليس مجرد حدودٍ مرسومة على خريطة، بل هو ذاكرة ووجدان، دمٌ يسري في العروق، وروحٌ تُولد معنا ولا تموت.
الوطن… حيث نبتت جذورنا منه تنبع لهجتنا، وتتشكل ملامحنا، وتنبت قيمنا.
الوطن هو أول “ماما” نطقناها، وأول “السلام عليكم” سمعناها، وأول سجدة ركعناها، وأول علم رفعناه.
إنه التراب الذي مشينا عليه حفاة، والهواء الذي تنفسناه، والسماء التي شهدت ضحكاتنا وبكاءنا.
فكيف لا نحبه؟
وكيف لا نبذل لأجله أغلى ما نملك؟
حب الوطن ليس شعارًا
حب الوطن ليس صورة نضعها في المناسبات، ولا هتافًا نردده في الأعياد، ولا وسمًا نطلقه في المنصات…
بل هو عملٌ خفيٌّ، صادق، يوميّ، صامتٌ في ظاهره، عظيمٌ في أثره.
• حين تُخلِص في عملك فأنت تُحب وطنك.
• حين تُربي أبناءك على القيم، فأنت تبني وطنًا من الداخل.
• حين تُعطي من وقتك ومالك لنهضته، فأنت تكتب في تاريخه سطرًا مشرفًا.
• حين تردم الفجوة بين القول والفعل، وتصون الأمانة، وتحترم النظام، فأنت تُنقذ وطنًا من التآكل البطيء.
الانتماء الحق… لا يساوم ولا يتاجر
الوطن ليس فندقًا نغادره إنْ لم يعجبنا، ولا شركة ننتقل منها إلى فرصة أفضل.
الانتماء الحقيقي للوطن لا يُقاس بالرضا الآني، بل بالثبات في الشدائد، والعمل في الصمت، والوفاء في الغياب.
وفي زمن الانفتاح، والهويات المتداخلة، والغزو الثقافي، تزداد قيمة من يُمسك بجذوره بقوة، ويمثل وطنه بوعي واعتزاز.
لكل فرد في الوطن دور لا يُستبدل
كلنا لسنا سواسية في الأدوار، لكننا متساوون في المسؤولية.
• المعلم لا يقل شرفًا عن الجندي.
• والمزارع يُسهم كما يسهم المخترع.
• والأم التي تُخرج جيلًا نقيًا، تُعادل بُناة الأوطان.
من يعمل لأجل الوطن، لا يبحث عن تصفيق، بل عن رضا الله، وعن ابتسامة أمٍّ تُربي ابنها في أمان، وعن جيلٍ ينهض بلا شوائب.
الوطن السعودي… أرض الوحي، ومهد الرسالة
نحن في وطنٍ ليس كسائر الأوطان…
وطنٌ انطلقت منه النبوة، واحتضن الحرمين، وجمع بين الأصالة والرؤية، وبين الجذور والطموح.
في وطننا، الولاء عبادة، والانتماء ليس خيارًا، بل هو قدر وشرف ومسؤولية.
وقد منّ الله علينا بقيادة حكيمة، ورؤية طموحة، وموارد عظيمة… فهل نُقابل هذا العطاء بالتخاذل؟
أم نجعل من أنفسنا جنودًا للبناء، لا مجرد متفرجين؟
وأخيرًا…
لنبحث عن الوطن في أعمالنا، في أقوالنا، في صفحات قلوبنا.
ولنُسائل أنفسنا:
هل وفّينا الوطن حقّه؟
هل تركنا فيه أثرًا يتحدث عنا حين نغيب؟
إنَّ الوطن لا يطلب منّا أنْ نصرخ باسمه، بل أنْ نعمل لأجله، أنْ نصونه حين لا يرانا أحد، وأنْ نُدافع عنه بأخلاقنا وأفعالنا، قبل سيوفنا وأقلامنا.
حب الوطن ليس خيارًا… بل حياة
عدد المشاهدات: 61