انقراض وحيد القرن.. نزيف الحياة البرية في صمت
يسرا عبد العظيم ـ العرب نيوز اللندنية
في خضمّ الانشغال العالمي بقضايا التكنولوجيا والتغيرات السياسية والاقتصادية، يختفي في صمت أحد أقدم الكائنات التي جابت الأرض منذ ملايين السنين: وحيد القرن، ذلك الحيوان الضخم الذي أصبح اليوم رمزًا من رموز الحياة البرية المهددة بالزوال.
حيوانات ما قبل التاريخ.. إلى متى تصمد؟
ينتمي وحيد القرن إلى فصيلة “الكركدنيات”، ويمتاز بجلده السميك وقرنه المميز الذي أصبح السبب الأول وراء ملاحقته حتى حافة الانقراض. ورغم قوته البدنية، لم يستطع الصمود أمام قسوة الإنسان وجشع التجارة غير المشروعة.
قبل عقود قليلة، كانت هذه الحيوانات تجوب السهول والغابات في إفريقيا وآسيا بأعداد هائلة، أما اليوم، فلم يتبقَ من بعض أنواعها سوى أفراد معدودين، يحيط بهم الخطر من كل اتجاه.
حقائق صادمة بالأرقام
لم يتبقَ من وحيد القرن الجاوي سوى نحو 80 فردًا فقط يعيشون في محمية واحدة في إندونيسيا.
أما وحيد القرن السومطري، فلم يتجاوز عدد أفراده الـ 30، وهو مهدد بالانقراض التام خلال سنوات قليلة إن لم تُتخذ إجراءات عاجلة.
في حين لا يزال النوع الجنوبي من وحيد القرن الأبيض يحافظ على وجود نسبي بعدد يُقدّر بـ 16,000، إلا أن النوع الشمالي منه اختفى تقريبًا، ولم يتبقَّ منه إلا أنثيان غير قادرتين على الإنجاب.
القرن.. سبب النجاة والموت
السبب الأول وراء اصطياد وحيد القرن هو قرنه، الذي يُباع بأثمان باهظة في السوق السوداء، ويُستخدم في بعض الثقافات الآسيوية كعلاج شعبي أو رمز للقوة والثروة. هذا الجشع البشري دفع الصيادين لاستخدام تقنيات متطورة لتعقبه، غير مبالين بالتبعات البيئية والإنسانية لهذا الانقراض المتسارع.
جهود دولية ومبادرات خجولة
رغم إدراج وحيد القرن ضمن قوائم “الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة” كأنواع مهددة بالانقراض، ورغم المبادرات الدولية لحمايته، إلا أن النتائج لا تزال متواضعة. تعاني المحميات من ضعف التمويل، كما أن الفساد والطلب المرتفع على قرون الكركدن يُقوّض جهود الحماية في العديد من الدول الإفريقية والآسيوية.
لماذا يجب أن نهتم؟
قد يتساءل البعض: لماذا كل هذا القلق على انقراض نوع من الحيوانات؟ والإجابة بسيطة؛ فكل كائن حي يشكل جزءًا من التوازن البيئي. واختفاء نوع مثل وحيد القرن يُحدث خللًا في النظام البيئي، قد يطال تأثيره التربة، النباتات، والحيوانات الأخرى، بما فيها الإنسان.
بين البقاء والانقراض
يخوض وحيد القرن معركة وجود لا يملك فيها صوتًا ولا سلاحًا سوى قلوب الناشطين والمدافعين عن البيئة. وإذا استمر الصمت العالمي والتقاعس في حماية هذا الكائن، فإن أطفالنا سيعرفونه فقط من الكتب والمتاحف، ككائن “كان هنا… ثم اختفى”.
عدد المشاهدات: 5