ساندرا كوسا سابا… حين تمشي الغابة على قدمين
بقلم الكاتبة اللبنانية _ مايا أبراهيم
امرأة لبنانية تصون الحياة بصبر الأشجار وصدق الأرض
في أعالي الشمال اللبناني، بين صمت الأشجار ورائحة الأرض الرطبة، تمشي ساندرا كوسا سابا كما لو أنها خُلقت من تربة حرش إهدن. لا تلبس عباءة البطولة، لكنها تسكنها. وجهها هادئ كنبتة أرزٍ تعرف تمامًا متى تميل للريح، ومتى تصمد بشموخها في وجه كل فأسٍ أو نار.
ليست مجرد مهندسة زراعية ولا مديرة لمحمية، بل امرأة تسكنها الطبيعة، وتتكلم لغتها بطلاقة. منذ سنوات، كرّست حياتها لحماية حرش إهدن، ذاك المتحف الطبيعي المفتوح، والذي يضم أكثر من ألف نوع من النباتات، وأنواع نادرة من الطيور والثدييات والفطريات. لكن الأرقام لا تكشف إلا القليل… الجوهر يكمن في النظرة، في الرعاية اليومية، في أن تعيش الأشجار في ظل عينيك وكأنها أبناء.
ساندرا ليست فقط في مهمة بيئية، بل في رسالة حياة. أعادت التحريج إلى معناه الحقيقي، لا كشجر مغروس في التربة فقط، بل كجذر متين في هوية المكان. زرعت آلاف الأشجار، اختارت أن تكون أناملها امتدادًا لجذوع الأرز والعرعر والسنديان. تنسّق، تخطّط، تُدير، وتبادر، وفي كل تفصيلة من يومها حبّ خالص للغابة، لا تلوثه مصالح ولا تشوبه شعارات.
عرفت كيف تربط العمل البيئي بالناس، كيف تحول المحمية إلى مساحة تفاعل لا فقط محمية مغلقة. فتحت دروبًا للعائلات والزوار، جمعت الشركاء من أقاصي الأرض، ونثرت بذور الثقة في المجتمع المحلي، حتى باتت الغابة بيتًا مشتركًا، لا مشروعًا إداريًا.
ليست كثيرة الكلام، لكنها تعرف متى ترفع الصوت. تتكلم عن الطبيعة كما تتكلم الأم عن طفلها الوحيد. تدافع، توضّح، تحمي، وتبتسم. في حضورها، تشعر أن الغابة بخير، طالما أن ساندرا تمشي على ترابها، تستمع لوشوشات أوراقها، وتحصي على الغيمات أحلامها.
هي ليست بطلة من ورق، بل سيدة من تراب. واقعية، حازمة، شفافة، ومنتمية حتى العظم. حين تنظر إلى الغابة، ترى انعكاسها فيها. وحين تتكلم عنها، يخفت كل ضجيجٍ فينا لننصت.
ساندرا كوسا سابا… امرأة تُشبه الأرض حين تكون في حالتها الأجمل: خصبة، صامدة، ومعطاءة.
الإعلامية مايا إبراهيم
عدد المشاهدات: 2