كتب : يسرا عبدالعظيم
مفاجأة مدوية ..جائزة نوبل للسلام للمناضلة ماريا ماشادو
في خطوة لافتة تعكس دعم المجتمع الدولي للنضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، أعلنت لجنة نوبل النرويجية عن منح جائزة نوبل للسلام لعام 2025 للقائدة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماشادو. تُعد هذه الجائزة من أبرز الجوائز العالمية التي تُمنح سنويًا لمن ساهم في تعزيز السلام، حقوق الإنسان، أو الحوار بين الشعوب.
تهدف هذه الورقة إلى استعراض سيرة ماشادو، الدور الذي لعبته في الكفاح السياسي داخل فنزويلا، الدلالات السياسية لمنحها الجائزة، والتحديات التي تواجهها هي وحركتها السياسية.
الأُسُس التاريخية لمنح نوبل للسلام
قبل التعمّق في حالة ماشادو، يجدر بنا تذكُّر أن جائزة نوبل للسلام تُمنح بناءً على معايير مثل: المساهمة في خلق السلام، حماية حقوق الإنسان، دعم سيادة القانون، مكافحة الظلم، والتوفيق بين الأطراف المتنازع عليها.
يُشترط أيضًا أن يُقدَّم المرشح من قِبل جهة مؤهلة وفق اللوائح، وأن يستوفي معايير الذروة في العمل السلمي والخدمة الإنسانية، وليس بالضرورة أن يكون قد حقّق نجاحًا تامًا في بلاده بفضل هذا العمل — بل يُكرَّم جزء من الجهد والتضحيات المبذولة.
من هي ماريا كورينا ماشادو؟ السيرة والنشأة
وُلدت ماشادو في 7 أكتوبر 1967 في كاراكاس، فنزويلا.
حصلت على تعليم في الهندسة الصناعية، ولاحقًا دخلت الساحة السياسية كمُناضلة من أجل الشفافية في العمليات الانتخابية وحقوق المواطنين المدنية.
من أبرز أدوارها كانت مشاركتها في تأسيس منظمة Súmate، وهي منظمة رقابية انتخابية تهدف لمراقبة نزاهة الانتخابات في فنزويلا.
في البرلمان الفنزويلي، نالت مقعدًا عام 2010 كممثلة عن المعارضة، وأصبحت من الأصوات المعارضة البارزة ضد سلطة تشافيز ومن بعده مادورو.
وعلى مر السنوات تعرضت لضغوط سياسية، محاولات لمنع ترشحها، وملاحقات قضائية، حتى أُعلن أنها ذهبت إلى الاختباء خوفًا على حياتها وأمنها.
في عام 2023، فازت في الانتخابات التمهيدية للمعارضة لتكون مرشحة لمنصة المعارضة الموحدة، لكن في وقت لاحق تم استبعادها من الترشح رسميًا بقرار من الجهات المنتظمة في النظام الفنزويلي.
أسباب اختيار لجنة نوبل لِماشادُو
عند النظر إلى المنحى العام للجائزة من جهة، وإلى الحالة الفنزويلية من جهة أخرى، نجد بعض الدلالات المهمة:
الرمزية والدعم الدولي للمعارضة والديمقراطية
منح الجائزة لمعارِضة تناضل في بلد يخضع لنظام مركزي قوي يُعد رسالة قوية بأن المجتمع الدولي يقرّ بمعاناة الشعب الفنزويلي وبشرعية مطالب الحقوق والديمقراطية.
التضحيات والشجاعة في ظروف قمعية
ماشادو واجهت محاولات الاستبعاد، التضييق، التهديد بالسجن أو المنع من المشاركة السياسية، واضطرت للاختفاء. مثل هذه الظروف تضفي على الجائزة قيمة رمزية عالية: أن الجائزة لا تُمنح فقط لمن نجح، بل لمن آمن بالمبادئ في ظروف صعبة.
التركيز على الحقوق المدنية والشفافية الانتخابية
من خلال عملها مع المنظمات التي تراقب الانتخابات، ومحاولتها تعزيز مشاركة المواطنين في المراقبة والاعتماد على الأدلة، تُمثّل ماشادو الجسر بين العمل المدني والسياسي في سبيل ضمان النزاهة.
التحالفات الدولية والدعم الأكاديمي
مبادرات لتقديم ترشيحها للجائزة جاءت من مؤسسات أكاديمية، منظمات حقوقية، وساسة دوليين (مثل نواب من الولايات المتحدة).
على سبيل المثال، تم تشكيل مبادرة من “إinspira América Foundation” مع رؤساء جامعات في الولايات المتحدة لدعم ترشيحها.
أيضًا، عدد من النواب في فلوريدا وبقية الولايات المتحدة كتبوا رسائل لدعم ترشيحها.
الاستمرارية في النضال رغم الصعاب
وحتى مع الاستبعاد الرسمي من السباق الانتخابي، لم تتوقف ماشادو عن العمل السياسي والدعوة إلى المشاركة وتحقيق العدالة، بل دخلت في حالة من العمل السري أو الاختباء لمتابعة نضالها.
الأبعاد السياسية والدبلوماسية لمنحها الجائزة
منح هذه الجائزة لشخصية معارضة في بلد تعاني أزمات سياسية عميقة يحمل في طيّاته تأثيرات متعددة:
يُعطي هذا الاختيار دفعة معنوية للمعارضة الفنزويلية، وهو بمثابة إضاءة دولية على الأوضاع التي تعيشها البلاد من تهميش الحقوق، التلاعب الانتخابي، القمع السياسي، وغياب الحريات الأساسية.
قد يُشجّع الحكومات والدول الأخرى على الضغط دبلوماسيًا على النظام الفنزويلي من أجل فتح مسارات للمصالحة أو إعادة التفاوض، خاصة إذا ارتبط هذا الضغط بمنح أو سحب امتيازات دولية.
من وجهة نظر النظام القائم، قد يُنظر إلى هذا القرار كتصعيد أو تدخل خارجي في الشؤون الداخلية، مما قد يدفع إلى مقاومة أو مضاعفة القمع.
الجائزة قد تحفّز المعارضين الآخرين في دول مشابهة أن ينظروا إلى النضال السلمي كخيار حقيقي.
ولكن هناك مخاطرة أيضًا بأن يُنظر إلى الحائزة على أنها “مرشح خارجي” أو “عميلة لجهات أجنبية” من قبل النظام لتعميق الانقسام الداخلي، وهو ما قد يُستغَل لتشويه صورتها محليًا.
التحديات التي تواجه ماشادو ومعارضي النظام
الأمن الشخصي والملاحقات القانونية
كونها في حالة اختباء أو ملاحقة يجعل قدرتها على العمل الميداني والتواصل المباشر محدودة، ويمكن أن يتم استهداف المقربين منها أو حلفائها.
انقسام داخل المعارضة
المعارضة الفنزويلية ليست كتلة موحّدة دائمًا؛ قد توجد صراعات داخلية أو اختلافات في الأجندات والاستراتيجيات.
ضعف المؤسسات الديمقراطية والبنى التحتية المدنية
إذا لم يُصحب التمكين الرمزي للجائزة بخطوات ملموسة في بناء مؤسسات ديمقراطية (قضاء مستقل، انتخابات نزيهة، مؤسسات رقابية)، فقد يبقى النضال مقيدًا بالرمزية فقط.
رد فعل النظام وقيوده التشريعية
النظام قد يُشرّع قوانين جديدة للتضييق على المعارضة أو يصدر قوانين أمنية تقيّد حرية التعبير أو التجمع.
الاعتماد على الدعم الدولي
وجود دعم دولي قد يكون عاملًا مساعدًا، لكنه ليس كافيًا إذا لم يُترجَم إلى ضغوط فعلية أو مساعدات ملموسة للديمقراطية أو حقوق الإنسان.
أثر الجائزة على المشهد الفنزويلي والإقليمي
من المرجَّح أن تزيد الجائزة من شعبيتها وتأييدها بين معارضي النظام داخل فنزويلا، كما قد تُحوِّلها إلى رمز للمقاومة الديمقراطية في أمريكا اللاتينية.
قد تساهم في جذب انتباه الصحافة العالمية أكثر إلى الانتهاكات المستمرة في فنزويلا، وبالتالي رفع الوعي الدولي والمطالبات بالتحرك.
قد تشكّل الجائزة مادة ضغط على الدول التي لها علاقات مع فنزويلا لتبني مواقف أكثر صرامة إزاء الحكومة الفنزويلية، أو لتفعيل الوساطات.
على المدى الطويل، يمكن أن تسهم في إحياء النقاش حول الإصلاح السياسي، الانتقال الديمقراطي، أو تنظيم انتخابات شفافة في فنزويلا إذا توافرت الظروف.
منح جائزة نوبل للسلام لماريا كورينا ماشادو ليس مجرد تكريم لشخص، بل هو شهادة دولية على أن النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في ظروف استبدادية يُحتفى به، حتى وإن لم يكتمل بعد. إنها رسالة مفادها أن التضحية والشجاعة في مواجهة الظلم لا تُمحى، وأن المجتمعات الدولية لا تنسى من يقاتلون في صفّ العدالة.
بالطبع، النجاح الحقيقي لن يُقاس بالجائزة وحدها، بل بمدى قدرتها ومقدرة حركتها المعارضَة على استثمار هذا التكريم في دفع التغيير الحقيقي المؤسّسي في فنزويلا.


