كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
في إطار التقارب القضائي والأمني بين سوريا ولبنان، أعلنت وزارة العدل السورية عن مطالبتها الرسمية إلى السلطات اللبنانية بتسليم عدد من ضباط النظام السابق، الذين تقول إنهم فرّوا إلى لبنان هرباً من الإجراءات القانونية.
جاء ذلك على خلفية زيارة قام بها وزير العدل السوري إلى بيروت، حيث شدّد على أن الفترات المقبلة ستشهد تعاوناً موسّعاً بين البلدين في “القضايا القانونية والجنائية والأمنية”، مشيراً إلى وجود “اتفاق رؤية” بين الجانبين حول التعامل مع ملفات الهاربين والضحايا.
وفقاً للبيانات، فإن الطلب السوري يشمل ضباطاً كانوا يشغلون مناصب في قوات النظام السوري السابق، وقد دخلوا لبنان بطريقة غير قانونية أو عبر منافذ حدودية غير معتمدة. وتُكثّف السلطات السورية جهودها لاستعادة من تصفهم بـ «مسؤولي النظام الفارين» للوقوف على ما يُعدّونه “حقّاً في العدالة والمساءلة”.
أما الجانب اللبناني فوجد نفسه أمام معضلة قانونية ودبلوماسية دقيقة. فبينما تستجيب بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية للطلبات السورية أو تنفّذ حالات تسليم، فإنّ معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والاتفاقيات المعمول بها تضع قيوداً على التسليم، خصوصاً إن كان هناك احتمال لتعرّض المُسلم له للتعذيب أو الإجراءات التعسّفية.
من جهةٍ أخرى، لم تغب البُعد السياسي عن هذه الملفات: فلبنان يعيش في وضع داخلي مرتبك من حيث التوازن السياسي والأمني، ولا يرغب في أن يتحوّل إلى “منفذ للتهرب من العدالة” أو ساحة للتفاعلات الإقليمية بين سوريا وحلفائها. في المقابل، تسعى دمشق لارسال رسالة بأن سقوط النظام أو تغيّر خريطة السلطة لا يشكّلان حصانة لمن تورّط في قرارات القمع أو الإنفاذ الأمني في مرحلة سابقة.
وخلال الأشهر الأخيرة تم رصد عمليات تسليم عدد من السوريين إلى نظيرتهم السورية – بما في ذلك ضباط وجنود – تمّ ضبطهم داخل الأراضي اللبنانية أو عند الحدود، ما يعكس انتقالاً عملياً في كيفية تعامل لبنان مع مثل هذه القضايا بعد تغيّرات كبرى في المشهد السوري.
في الخلاصة، تتحوّل هذه القضية إلى اختبار مزدوج: اختبار لالتزام لبنان بمبدئي سيادة القضاء واستقلاليته، واختبار لسوريا حول مدى جدّيتها في تحقيق “المساءلة” وليس مجرد استرجاع العناصر. ويبدو أن ما سيُحسم من هذه الملفات قد يُمهّد لمسار جديد في العلاقات بين البلدين بعد عهد طويل من التوتر غير الرسمي والتدخّل السوري في الشأن اللبناني.


