كتب : دينا كمال
دراسة تكشف اختلافات جينية بين أنماط التوحد
أظهرت دراسة حديثة أن التوحد ليس حالة موحدة كما كان يُعتقد سابقًا، بل مجموعة من الاضطرابات ذات الجذور الوراثية والنمائية المتنوعة تختلف حسب توقيت التشخيص. فقد بيّن الباحثون أن الأطفال الذين يُشخَّصون في السنوات الأولى من حياتهم يبدون أنماط نمو وسلوك مغايرة مقارنةً بمن تُكتشف حالتهم في الطفولة المتأخرة أو المراهقة.
وبحسب تقرير نشر في موقع medscape عن دراسة وردت في مجلة Nature العلمية، حلّل باحثون من جامعة كامبريدج بيانات آلاف الأفراد عالميًا، ليظهر أن توقيت التشخيص لا يعكس فقط درجة شدة الحالة بل يرتبط بملامح جينية خاصة ومسارات تطور مختلفة.
وأوضحت النتائج أن الأطفال الذين شُخّصوا بالتوحد قبل سن السابعة غالبًا ما واجهوا تأخرًا في النمو الحركي واللغوي وصعوبات معرفية وسلوكية شديدة. بينما المجموعة التي جرى تشخيصها في سن متأخرة كانت أكثر عرضة لاضطرابات نفسية مصاحبة مثل فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) والاكتئاب، من دون ظهور مشكلات تطور مبكرة واضحة.
وكشف التحليل الجيني أن المصابين بالتوحد المبكر يمتلكون طفرات نادرة في جينات تلعب دورًا في تطور الدماغ، في حين أظهر ذوو التشخيص المتأخر أنماطًا جينية أقرب لتلك المرتبطة بقدرات تعليمية مرتفعة واضطرابات مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. ويؤكد العلماء أن العمر عند التشخيص قد يكون سمة وراثية وليس مجرد نتيجة للفروق السلوكية أو للرعاية الطبية.
وأوضح الدكتور فارون واريير من جامعة كامبريدج أن فهم هذه الفروق يمكّن الأطباء من تطوير طرق تشخيص أكثر دقة، وتقديم دعم يتناسب مع احتياجات كل فئة؛ فالتشخيص المبكر يحتاج تدخلًا نمائيًا وسلوكيًا مكثفًا، بينما التشخيص المتأخر يتطلب رعاية نفسية واجتماعية أشمل.
ويشير علماء النفس إلى أن التوحد قد يكون طيفًا واسعًا من الأنواع الفرعية المختلفة في العوامل الوراثية والبيئية ومسار النمو، فيما تقول الدكتورة أوتا فريث إن هذه النتائج “تفتح الباب لفهم جديد يجعلنا نرى التوحد كمجموعة من الحالات المتمايزة لكل منها طبيعتها الخاصة”.
وحذّر الباحثون من تعميم النتائج، مشددين على أن الثقافة والرعاية الصحية والبيئة الأسرية تؤثر في توقيت التشخيص ودقته، وأكدوا ضرورة إجراء أبحاث على عينات أكثر تنوعًا لفهم العلاقة بين الجينات والسلوك بشكل أعمق.
وفي ختام الدراسة دعا الفريق البحثي إلى توسيع مفهوم التوحد من كونه اضطرابًا واحدًا إلى مجموعة أنماط عصبية مختلفة، معتبرين أن الاعتراف بهذا التنوع يمثل الخطوة الأولى نحو تشخيص وعلاج أكثر دقة وإنسانية.


