بقلم الكاتبة الإماراتية/ حورية الزرعوني
في السنوات الأخيرة، رأينا تركيزًا هائلًا على مرحلة الشباب، وكأنها وحدها تختصر الحاضر والمستقبل. لكن الفلسفة البسيطة للحياة تقول: حين أضخّم شيئًا، فأنا بالضرورة أُحجّم آخر. واليوم، حين نُضخِّم الشباب، فإننا نحجِّم من قيمة من هم خارج دائرة الشباب، أولئك الذين لا يقلّون عطاءً ولا أثرًا.
لقد صارت المبادرات للشباب أشبه بعدسات مكبّرة تسلط الضوء على طاقاتهم، لكنها في الوقت ذاته تُلقي بظلال كثيفة على من سبقهم. وكأن من بلغ مرحلة النضج والخبرة صار خارج دائرة الرؤية، بينما يحمل في داخله ما لا تستطيع الحماسة وحدها أن تصنعه: الحكمة، العمق، والتجربة.
يزداد هذا الشعور بالخذلان في زمننا السريع؛ حيث الكل منشغل بعالمه، وحيث الروابط العائلية لم تعد تواسي الكبار كما في السابق. فيجد كبير السن نفسه مهمَّشًا، بلا دور، وكأنه خرج من معادلة المجتمع. وهذه ليست قضية عابرة، بل قضية وجودية لها تكلفة باهظة، تتجسد في الوحدة والعزلة والاضطراب النفسي.
إن استمرار هذا الإقصاء قد يجعلنا يومًا في حاجة إلى “وزارة للوحدة”، لا لإدارة المشاريع الاقتصادية، بل لترميم الشروخ النفسية التي خلّفها انشغال المجتمع عن كبار السن، ولتداوي قلوبًا أُطفئت أنوارها قبل أوانها.
فالمستقبل لا يُبنى بالصخب وحده، بل بتوازن الأجيال؛ حين تتلاقى جذور التجربة مع براعم البدايات. إن أهملنا هذه المعادلة، خسرنا نصف الضوء، وخسرنا معه إنسانًا كان يمكن أن يظل منارة بدل أن يغدو ظلًّا على الهامش.

عدد المشاهدات: 0


