بقلم د. سهير بنت سند المهندي
في طرابلس، المدينة التي كانت لسنوات تُكتب أخبارها بلغة الصراع والاضطراب، تُعيد النيابة العامة الليبية اليوم صياغة المشهد، لا عبر البيانات أو المرافعات، بل من خلال الكتاب. الدورة الثانية من معرض النيابة العامة الدولي للكتاب ليست مجرد حدث ثقافي عابر، بل رسالة رمزية عميقة: أن العدالة، حين تمتزج بالمعرفة، تصبح أداة بناء لا سلاح جدال، وأن القانون حين يقرأ، يتحول من نص جامد إلى فكر حيّ يعيد التوازن إلى المجتمع.
افتتاح المعرض برعاية المستشار الصديق الصور، النائب العام بدولة ليبيا، بحضور رسمي وإقليمي واسع ضم ممثلين عن جامعة الدول العربية، وسفراء، ومثقفين، ونقباء صحافة عرب، كان إيذاناً بعودة ليبيا إلى الخارطة الثقافية الدولية من بوابة العدالة والمعرفة. أكثر من 150 دار نشر محلية ودولية وقرابة 500 إصدار في مجالات القانون، والفكر، والآداب، والعلوم الإنسانية، شكّلوا مزيجاً معرفياً نادراً في تظاهرةٍ جمعت بين سلطة القانون ورحابة الثقافة.
في أروقة معرض طرابلس الدولي، حيث أقيمت الفعالية، لم يكن الحضور مجرد جمهور قارئ، بل مجتمع قانوني وفكري يكتشف أن العدالة يمكن أن تتحدث بلغة الأدب، وأن مكتب النائب العام يمكن أن يتحول إلى منصة للإبداع والتنوير. المعرض، بتنظيم مكتب النائب العام عبر مركز البحوث الجنائية والتدريب، وبإشراف الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات، عكس وجهاً جديداً للمؤسسة العدلية الليبية؛ وجهاً ينفتح على المجتمع ويحتضن الفكر لا ليراقبه، بل ليغذيه.
البرنامج الثقافي المصاحب حمل طابعاً نوعياً، فإلى جانب حفلات توقيع الكتب وجلسات النقاش، جاءت الندوات الفكرية لتناقش الثقافة الدستورية ودورها في ترسيخ القوانين ودعم المؤسسات الوطنية، كما تناولت المحاضرات قضايا التحول الرقمي في العدالة، وربطت بين القانون والتكنولوجيا في مشهد يؤكد أن ليبيا تتجه نحو “العدالة الرقمية”. وقد أوضح الدكتور خليفة عاشور، المشرف العام على وحدة التحول الرقمي، أن المشروع يستهدف رقمنة القضايا ودمج مراكز البحوث في المنظومة القضائية، بما يعزز الشفافية ويرفع كفاءة الإجراءات القانونية، وهي خطوة تمهد لعصر جديد من الإدارة القانونية الذكية.
اعلامية وباحثة اكاديمي



