كتب : يسرا عبدالعظيم
«الألف جرح».. تكتيك روسي للضغط على أوكرانيا قبيل دخول الشتاء
حذّر قادة أوكرانيون ومراقبون ميدانيون من تغيّر في أسلوب القتال الروسي إلى ما يُعرف بتكتيك «الألف جرح» (Thousand-Cuts)، الذي يركّز على شن عدد كبير من الهجمات الصغيرة والمتكرِّرة — مسيّرات، قذائف، ضربات مدفعية وهجمات مشاة محدودة — بهدف إطالة جبهة القتال، استنزاف القوات الأوكرانية، وزيادة الضغوط قبل فصل الشتاء.
ما هو تكتيك «الألف جرح»؟
بحسب قائد الجيش الأوكراني أوليكساندر سيرسكي، اعتمدت روسيا منذ الصيف تكتيكًا يقوم على «أسراب» من مجموعات هجومية صغيرة ومحاولات تسلّل متكرِّرة لاختبار ثغرات الدفاع الأوكراني وإجبار القيادة الأوكرانية على إعادة نشر الاحتياطيات بشكل مستمر، ما يضعف القدرة على مقاومة ضغط متواصل عبر محاورٍ طويلة. هذا التكتيك لا يهدف بالضرورة إلى اختراق واحد ضخم، بل إلى تآكل القدرات والروح القتالية تدريجيًا.
مكوّنات التكتيك والأدوات المستخدمة
سربات الطائرات المسيّرة: شنّت روسيا هجمات بكميات هائلة من الطائرات المسيّرة؛ تقارير رسمية وأوكرانية تحدثت عن إطلاق مئات — وأحيانًا نحو 500–600 — مسيّرة في هجوم واحد، إلى جانب عشرات الصواريخ، وهو ما يزيد من الإجهاد على منظومات الدفاع الجوي.
هجمات مشاة صغيرة ومتكررة: وحدات مشاة تنفذ هجمات تكتيكية محدودة لاختبار نقاط الضعف وإحداث خسائر ميدانية متقطعة.
استهداف البنى التحتية: ضرب محطات طاقة ومرافق حيوية بات جزءًا من استراتيجية الضغط قبل الشتاء لرفع كلفة الصمود الأوكراني على المدنيين والبنية الاقتصادية.
أسلحة جديدة ومتخصصة: تقارير إعلامية ذكرت أيضاً تجارب روسية بأسلحة جديدة أو مطوّرة (مثل نماذج متقدمة من القنابل اليدوية الحرارية-التفجيرية وأنواع أخرى) بهدف تغيير ديناميكية القتال المحليّة.
الأثر الميداني والإنساني
اتساع الجبهة: أعلنت قيادة أوكرانيا أن طول خط المواجهة توسّع إلى نحو 1,250 كيلومترًا، ما يزيد من صعوبة تغطية كل النقاط وضعف العمق الدفاعي. هذا التمدّد يجعل الدفاع أكثر اعتمادية على إعادة تموضع الوحدات والاحتياطات.
استنزاف الموارد: إعادة الانتشار المستمرة، وتعامل الدفاعات الجوية مع كمّ هائل من الطائرات المسيّرة والصواريخ، تُستنزف الذخيرة والقدرات الفنية واللوجستية.
خطر شتاء أصعب: مع اقتراب الشتاء تصبح الضغوط على شبكات الكهرباء والتدفئة أكثر أهمية؛ استهداف البنى التحتية قد يؤدي إلى أزمة إنسانية أوسع إذا تواصلت الضربات.
مدى نجاح التكتيك
تباينت التقييمات: القيادة الأوكرانية أكدت أن تكتيك «الألف جرح» يمثّل تحديًا حقيقيًا وأنه وسّع الجبهات وجعل المهمة أعقد، بينما أشار بعضها الآخر إلى أن محاولات محورية لتحقيق اختراقات كبيرة فشلت في مناطق معيّنة، لكن كلفة الاستدامة مع التقهقر الاقتصادي والضغط على المدنيين تبقى مرتفعة. بعبارة أخرى، حتى إن لم يحقق اختراقًا استراتيجيًا واسعًا، فقد نجح التكتيك في رفع ثمن الصمود للأطراف المدافعة.
لماذا الآن؟ (الاستراتيجية السياسية ــ العسكرية)
الاقتراب من فصل الشتاء يجعل من استهداف البنى التحتية أداة ضغط استراتيجية — ليس فقط لإلحاق خسائر عسكرية، بل لزيادة تكلفة المواجهة داخليًا لدى المجتمع والاقتصاد الأوكراني، وبالتالي خلق ضغوط داخلية ودولية قد تُسهِم في تغيّر مواقف أو فرض تسويات. إضافةً إلى ذلك، الاعتماد على هجمات متفرقة ومسيّرات يقلّل اعتماد روسيا على هجمات برية مكلفة على نطاق واسع في غياب قدرة تعبئة هائلة.
تكتيك «الألف جرح» لا يغيّر قواعد اللعبة بين ليلة وضحاها، لكنه يزيد من وتيرة الاستنزاف المتبادل: أوكرانيا تُجابه بمزيد من الضغوط المادية والبشرية، وروسيا تعتمد على تكديس الضربات الصغيرة لخلق أثر استراتيجي تدريجي. الموازنة النهائية ستعتمد على قدرة كييف وحلفائها على صيانة البنية الدفاعية واللوجستية خلال أشهر الشتاء، وعلى استدامة الدعم الدولي لتخفيف الضغوط الإنسانية والعسكرية.«


