كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
شهدت الساحة السياسية في ليبيا تجاذباً متزايداً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث تصاعدت الأزمات حول صلاحيات القضاء واستقلاله، مما يعكس عمق الانقسام المؤسساتي الذي لا يزال يعوق المسار نحو الاستقرار.
جاء هذا الصدام، بحسب ما أُعلن من جهات رسمية، عقب صدور عدة قرارات رئاسية من المجلس الرئاسي الليبي في العاصمة طرابلس، والتي تمثّلت في مجموعة مراسيم رئاسية استندت إلى الإعلان الدستوري لعام 2011. وجاءت هذه الإجراءات في سياق ما وصفته بأنها «خطة إنقاذ وطنية» شاملة، وتتضمن منح سلطات تشريعية وتنفيذية إضافية للرئاسة.
ردّاً على ذلك، اعتبرت مجلس النواب الليبي ومكتب رئاسته أن هذه المراسيم تمثل تجاوزاً صريحاً لسلطاته، مؤكداً أن «الرئاسة لا تملك الحق في إصدار قوانين أو إزاحة اختصاصات أو تعليق أعماله» من دون الرجوع إليه.
من جهة أخرى، سلطت تقارير حقوقية الضوء على أن قطاع القضاء في ليبيا يعاني من «تقسُّم مؤسساتي واضح» بين المحاكم المدنية، العسكريّة، والمنازعات على التبعية بين شرق البلاد وغربها، ما يهدد قدرة القضاء على أداء دوره كمؤسسة مستقلة وحيادية.
في خطوة لافتة، أصدرت المحكمة العليا الليبية في طرابلس حكمين قضائيين، قضى أحدهما بأنّ قانوناً مرّره البرلمان ينقُل تبعية الجريدة الرسمية إلى مكتب البرلمان هو «غير دستوري»، في حين قضى الآخر ببطلان محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكريّة باعتبارها «تنطوي على انتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات».
ويرى محللون أن هذا الخلاف ليس مجرّد نزاع على النصوص أو الصلاحيات، بل هو تجسيد للمعركة الكبيرة حول من يمسك بزمام القرار في ليبيا: التشريع، التنفيذ، أم القضاء؟ وما هو الدور الذي سيضطلع به القضاء في دولة ما بعد الصراع؟
خلاصة القول، أن ما يجري حاليا يشير إلى أن المسار المؤسسي الليبي لا يزال في طور التشكل، وأن ضمان استقلالية القضاء وسيادة القانون يتطلّب توافقاً حقيقياً بين جميع السلطات، وإلا فإن البلاد قد تشهد مزيداً من التداخلات التي تُضعف أداء المؤسسات وتُغذّي حالة عدم الثقة بين المواطن والدولة.


