كتب : صفاء مصطفى... العرب نيوز اللندنية
روسيا – العرب نيوز
في خطاب استراتيجي أثار اهتمام الأوساط الاقتصادية والسياسية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تعمل على إعادة رسم معادلة الطاقة العالمية، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة ستشهد “تحولًا جذريًا في توازن القوى” بين الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة، وسط تحركات روسية واسعة لتوسيع نفوذها في أسواق آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
رؤية جديدة للنظام الطاقوي العالمي
جاءت تصريحات بوتين خلال افتتاح “منتدى الطاقة الروسي 2025” في موسكو، حيث شدد على أن العالم لم يعد يعتمد فقط على الأسواق الغربية في تلبية احتياجاته، مشيرًا إلى أن “التحالفات الجديدة في قطاع الطاقة تُعيد تشكيل خريطة الاقتصاد الدولي”.
وقال بوتين:
> “روسيا لم تعد مجرد مُصدّر للطاقة، بل أصبحت ركيزة في بناء نظام طاقوي عالمي متوازن، يقوم على العدالة والتنوع في مصادر الإمداد.”
وأوضح الرئيس الروسي أن موسكو تعمل على تعزيز تعاونها مع دول “بريكس” ودول منظمة شنغهاي، بهدف إنشاء شبكات طاقة مشتركة ومشروعات بنى تحتية ضخمة تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، ما سيحدّ من هيمنة الغرب على طرق الطاقة التقليدية.
التركيز على الطاقة النظيفة والتقنيات الحديثة
كما أعلن بوتين أن روسيا تستثمر بكثافة في مجالات الطاقة النووية السلمية والهيدروجين الأخضر، إلى جانب تطوير قدراتها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال (LNG)، لتصبح من أبرز اللاعبين في مجال الطاقة النظيفة خلال العقد المقبل.
وأكد أن بلاده تسعى إلى “تحقيق توازن بين حماية البيئة وضمان أمن الطاقة العالمي”، مشيرًا إلى أن الابتكار والتكنولوجيا سيكونان العنصرين الحاسمين في تنافسية الدول المنتجة.
ردود دولية ومواقف متباينة
تصريحات بوتين جاءت في وقت تشهد فيه أسواق النفط والغاز اضطرابات واسعة بسبب التوترات الجيوسياسية والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
وبينما رحّبت الصين والهند بالمبادرات الروسية الجديدة، معتبرتين أنها “تعزز استقلالية القرار الطاقوي العالمي”، أبدت دول الاتحاد الأوروبي قلقها من “محاولات موسكو إنشاء محور بديل للأسواق الغربية”.
ويرى محللون أن موسكو تحاول من خلال هذه التحركات “تحويل العقوبات إلى فرصة”، من خلال تنويع أسواقها وتطوير استراتيجيات بعيدة المدى، تضمن استمرار نفوذها في الاقتصاد العالمي رغم الضغوط السياسية.
روسيا تعيد التموضع كقوة طاقوية عظمى
تُعد روسيا واحدة من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، وقد نجحت خلال السنوات الأخيرة في الحفاظ على مستويات إنتاج مرتفعة رغم القيود والعقوبات. كما توسعت في توقيع عقود طويلة الأمد مع الصين والهند وتركيا، مما عزز موقعها كفاعل رئيسي في السوق العالمية للطاقة.
ويؤكد خبراء أن الخطاب الأخير لبوتين يُعدّ بمثابة إعلان لمرحلة جديدة في سياسة موسكو الطاقوية، تهدف إلى بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، يقلّص الاعتماد على الدولار والأسواق الغربية، ويمنح روسيا نفوذًا متزايدًا في المعادلات الاقتصادية المستقبلية.
مستقبل الطاقة في يد الشرق
وبينما تتجه الأنظار إلى الشرق، يرى المراقبون أن روسيا تسعى مع شركائها في آسيا لإرساء نموذج جديد يقوم على “الاستقلال الطاقوي والسيادة الاقتصادية”، وهي معادلة قد تغيّر قواعد اللعبة التي حكمت أسواق الطاقة لعقود طويلة.
ويختتم بوتين رسالته قائلاً:
“العصر الذي تتحكم فيه جهة واحدة في موارد الطاقة انتهى، والمستقبل سيكون لمن يمتلك الإرادة والقدرة على الابتكار.”


