كتب : يسرا عبدالعظيم
الصين تشدد قيود تصدير بطاريات الليثيوم وموادها الأساسية في خطوة تعيد رسم خريطة الطاقة النظيفة العالمية
في خطوة تُبرز تصاعد التنافس العالمي على موارد وتقنيات الطاقة النظيفة، أعلنت الصين فرض قيود تصديرية جديدة على عدد من المواد الأساسية المستخدمة في صناعة بطاريات الليثيوم، مما يعكس استعداد بكين لاستخدام هيمنتها الصناعية كأداة نفوذ في التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة.
وبموجب القواعد الجديدة، سيُشترط على الشركات الصينية الحصول على تصاريح رسمية لتصدير بطاريات الليثيوم ومواد الكاثود والأنود الغرافيتي اعتبارًا من 8 نوفمبر المقبل، وهو ما يعني أن أي عملية تصدير لهذه المواد لن تكون ممكنة دون موافقة حكومية مسبقة.
هيمنة صينية على مفاصل الصناعة العالمية
تُعد الصين المنتج الأكبر عالميًا لمكونات البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين الطاقة، إذ تسيطر على أكثر من 70٪ من الإنتاج العالمي لمواد الكاثود والأنود، إضافة إلى موقعها الريادي في تكرير الليثيوم والنيكل والكوبالت — وهي المواد الحيوية لصناعة البطاريات الحديثة.
ويرى محللون أن هذه الخطوة تمثل تصعيدًا جديدًا في المنافسة الاقتصادية والتقنية بين الصين والغرب، خصوصًا بعد الإجراءات الأمريكية والأوروبية الهادفة إلى تقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية في مجالات التكنولوجيا الخضراء.
أهداف بكين واستراتيجيتها الصناعية
تأتي هذه القيود ضمن سياسة “الأمن الصناعي” التي تنتهجها بكين لحماية صناعاتها الإستراتيجية، وضمان تفوقها في سوق الطاقة النظيفة خلال العقد المقبل.
كما تسعى الصين إلى زيادة القيمة المضافة محليًا عبر تشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار داخل أراضيها بدلًا من استيراد المكونات الجاهزة، ما يعزز موقعها كمركز عالمي لتصنيع البطاريات الكهربائية.
ويرى مراقبون أن الصين تحاول من خلال هذه السياسة إرسال إشارة واضحة إلى الاقتصادات المنافسة بأنها قادرة على التأثير في مسار الانتقال الطاقوي العالمي، تمامًا كما استخدمت بعض الدول النفط كورقة ضغط في الماضي.
تداعيات على السوق العالمية
من المتوقع أن تؤدي القيود الجديدة إلى اضطراب في سلاسل التوريد، خصوصًا للشركات الغربية التي تعتمد على المواد الصينية في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
وقد تواجه الأسواق الأوروبية والأمريكية ارتفاعًا في التكاليف ونقصًا في الإمدادات خلال الأشهر المقبلة، ما قد يبطئ وتيرة إنتاج السيارات الكهربائية ومشروعات الطاقة المتجددة.
كما يُرجّح أن تدفع هذه الخطوة بعض الدول إلى تسريع مشاريع استخراج الليثيوم والمعادن الإستراتيجية محليًا أو عبر شراكات جديدة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، بهدف تقليل الاعتماد على الصين مستقبلاً.
تؤكد الخطوة الصينية الأخيرة أن التحول إلى الطاقة النظيفة لم يعد مجرد سباق بيئي، بل معركة جيوسياسية واقتصادية على الموارد والتكنولوجيا.
ومع دخول القيود حيّز التنفيذ في نوفمبر المقبل، ستختبر الأسواق العالمية قدرتها على التكيف مع نظام جديد تتحكم فيه الصين في مفاصل الإنتاج الحيوية للطاقة النظيفة.


