“أزمة الاغتراب”
بقلم – أبتهال عبدالوهاب …العرب نيوز اللندنية
الاغتراب ازمه واشكاليه كبري تواجه الإنسان الواعي
و هو انفصال الفرد عن هويته أو جوهره وبالتالي انفصاله عن الآخرين وعن العالم بأسره.
الاغتراب أن تكون مع الناس ولست معهم،تشعر بأنك لا تنتمي للمجموعة، ولا تنسجم معها، فتفضل الانسحاب أو البقاء هادئا في ركن بعيد لا يلاحظك فيه أحد
وأن تجبر للتعايش في مكان لا تنتمي له، أن تنفجر غضبا بأفكارك التي لاقيمة لها بالنسبه لهم ، أن تتكلم عبثا مع أشخاص لا يستمعون لك، أن تراك تفقد صوتك، صورتك حقيقتك و تجبر للتحدث عن تفاهات لا وجود لها،ان تكون جزء منهم
كم مرة شعرت بهذا الشعور..؟!
تجلس بين مجموعة من البشر يتحدثون بلغة لا تشبهك..
فتهمس في داخلك: أنا لا أنتمي إلى هنا.حيث يشعر الفرد وكأنه غريب رغم حضوره
وتعيش معنى الاغتراب الوجودي عندما تكون مختلفا في مجتمع يميل إلى التماثل.. وتتداعى الأسئلة حينها..
هل الانتماء يعني أن نذوب في الجماعة؟
أم أن قوتنا تكمن في احتفاظنا بخصوصيتنا؟
لعل من أعمق أنواع الاغتراب هو الاغتراب الذاتي عندما تتصرف بطريقة لا تفهمها، وعندما تخاف من المجهول وعندما تشعر بهذا الاغتراب بين أقرب الناس إليك، الشعور بالفراغ والخواء والكبت والاحساس بأن الحياة غير حقيقية ، كل هذا وغيره من مظاهر الغريب بداخلنا.
و ما من غربة أشد بشاعة وفتكا بالإنسان كغربته عن نفسه، كأن يتصنع شخصا ووجها وسلوكا ومواقفا وكلاما غير ذلك الذي في داخله ولكن :
هل يشعر الآخرين بإغترابنا من خلال نسيج اللاشعور الجمعي ، أم أننا نعيش حياتنا كجزر منفصلة نكتوي بمعاناتنا ضمن نطاق كينونتنا الفردية الضيقة دون أن يشعر بنا الآخرين؟
قد يولد الإنسان في المكان الخطأ ، المكان الذي لا ينسجم معه و لكن مأساة الإنسان الحقيقية حين يولد في الزمن الخطأ
أن يكون عقله سابق لزمنه ، يقضي حياته و هو يصف للناس عالما لا يستطيعون رؤيته وهو لا يستطيع أن يغمض عيناه عن دهشته به
الإغتراب هو كأن نحيا في أماكن ومع بشر و أفكار لا ننتمي لها.. نخلق نحن عالم موازي نستطيع أن نقول فيه ” لا ” بصمت
نعيش الشتات بين ما نحلم به وما نستطيعه. وفي هذا الصراع الجوهري بين الأنا الاجتماعية والأنا الذاتية، يبرز مفهوم الاغتراب
في الإغتراب يتحول الفرد إلى كائن مزدوج بين واقع اجتماعي مفروض عليه وبين رغباته العميقة التي تتأصل في تجربتة الفردية
حتى على مستوى المجتمعات يعيش العرب اليوم حالة من التمزق و الإغتراب الوجودي بين زمنين متباعدين ، ماض لا يمضي و حاضر يأبى على الحضور
إن الحياة اليوم تدفع بالإنسان إلى الإغتراب القسري ، ليس عن العالم وحسب بل وحتى عن نفسه ، تضيق مساحة العالم داخلنا و تضيق الثقوب التي من خلالها نسترق النظر إلى هذا الوجود حين يتراكم داخلنا ذات المشاهد و ذات الدروب التي نسلكها كل يوم لأجل أن تتغير حياتنا
نحن نعيش أزمة القنافذ في ليالي الشتاء الباردة ، تدفعنا برودة الوحدة و الاغتراب إلى الاقتراب من بعضنا البعض حتى نتجاوز حدود الآخر او يصادر وجودنا حينها نشعر بوخزات الاشواك و نعود بعدها إلى الوحدة والليالي الباردة
والاغتراب كمفهوم، طرح فلسفيا كثيرا، فقد طرحه أولا هيغل في سياق فردي، وقد طرحه ماركس في سياق اجتماعي، كما طرحه إيرك فروم في سياق سيكولوجي، وطرحه فلاسفة كثر في سياق وجودي
عاش كافكا وهو يعاني من السل.. وعاش نيتشه وهو يعاني من الصداع النصفي الحاد ..وعاش ماركس وهو يعاني من مرض جلدي .. هؤلاء الثلاثة أكثر من كتب عن “الاغتراب” بصورة تبين أن عذابات الجسد تلهم صاحبها أصدق الخواطر والأفكار.. غوخ رسم أجمل لوحاته عندما كانت صحته النفسية في أسوأ حالاتها و قبل أشهر من إقدامه على الانتحار. ربما هناك رابط بين المعاناة و الإبداع, فكلما ازدادت معاناة الإنسان نفسيا أو جسديا تحررت طاقاته الإبداعية بشكل أكبر و انتقل إلى مراحل أعلى في الوعي و فهم الحياة
يرى ألبير كامو في أسطورة سيزيف أن الإنسان المعاصر يعيش في حالة من الاغتراب لأن القيم التقليدية التي كانت تمنحه الاستقرار العقلي والعاطفي فقدت صلاحيتها في هذا العالم المتغير. فيقول “في عالم لا قيمة له لا يمكن للإنسان أن يجد معنى لحياته إلا في تحديه لهذه الفراغات.”
ويرى جورج لوكاش ان الاغتراب هو إحساس الإنسان بأن بيئته التي خلقها لم تعد وطنه، بل سجنه
كما يتناول فريدريك نيتشه في “هكذا تكلم زرادشت” الاغتراب من خلال فكرة “موت الإله”، حيث يعلن نيتشه أن القيم التقليدية، الدينية والأخلاقية، قد انهارت في العصر الحديث وهذا يترك الفرد في مواجهة مع الواقع لانه غير قادر على إيجاد القيم التي كانت تمنحه إحساسا بالهوية والانسجام مع نفسه والعالم ويصبح الإنسان عالقا في الوجود. رغم أنه يملك العقل الذي ارتقى به فوق كل الموجودات لكنه يعاني الاغتراب
اعتقد ان ثمن الصحة العقلية في هذا المجتمع، هو مرحلة معينة من الإغتراب
ابدا لم اشكو من الاغتراب إذ انني، طوال حياتي، لم اعرف اللاغتراب..
فمرحبا أيتها الغربة! لقد دفعتتي الغربه دفعا للبحث المتجدد دوما عن زمن آخر بغية الخروج والانفلات من قيد الصيرورة الأرضية وسجن الزمن الحاضر الذي يخنقنا الي فضاء أوسع وارحب
فكلنا سنموت ، وهذا هو الاغتراب الخطير الوحيد.
أرق وأقسى حلم يرافق الإنسان طيلة حياته ، هو حلم العودة ، الإنسان منفي مرتحل بالفطرة مغترب لانه بعرف انه سيموت. والموت هو نوع من الغربه
ما أشد غربه الإنسان وما اقساها.. يعيش غريبا ويموت غريبا وما أصعب مشاعر الاغتراب وأنت متصل بواقع لا تستطيع أن تغيره، ولا تستطيع أن تغادره
ويبقى السؤال.. كيف نواجه تيهنا وغربتنا و هشاشه وجودنا في هذا العالم؟؟
كيف نتخلص من الحالة العبثية التي تجعل الذات المفكرة أمام واقع ” مسخ ” بلا هوية و لا ملامح
ورغم إحساسنا دائما بالاغتراب ولكن
غادر حيث أنت … ليس بالضرورة أن تبتعد عن المكان
لكن يكفي أن تهجر كل ما يرهق روحك،
ابتعد عن ضيق العقول، عن صدى الكلمات المستهلكة،
وعن السير خلف القطيع بلا تفكير
ارحل دائما إلى حيث تجد ذاتك، ولو كان ذلك في أعماقك
عدد المشاهدات: 87